البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِن جُندٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} (28)

أخبر تعالى بإهلاك قوم حبيب بصيحة واحدة صاح بهم جبريل ، وفي ذلك توعد لقريش أن يصيبهم ما أصابهم ، إذ هم المضروب لهم المثل .

وأخبر تعالى أنه لم ينزل عليهم لإهلاكهم جنداً من السماء ، كالحجارة والريح وغير ذلك ، وكانوا أهون عليه .

وقوله : { من بعده } ، يدل على ابتداء الغاية ، أي لم يرسل إليهم رسولاً ، ولا عاتبهم بعد قتله ، بل عاجلهم بالهلاك .

والظاهر أن ما في قوله : { وماكنا منزلين } نافية ، فالمعنى قريب من معنى الجملة قبلها ، أي وما كان يصح في حكمنا أن ننزل في إهلاكهم جنداً من السماء ، لأنه تعالى أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون بعض ، كما قال : { فكلاً أخذنا بذنبه } الآية .

وقالت فرقة : ما اسم معطوف على جند .

قال ابن عطية : أي من جند ومن الذي كنا منزلين على الأمم مثلهم .

انتهى ، وهو تقدير لا يصح ، لأن من في من جند زائدة .

ومذهب البصريين غير الأخفش أن لزيادتها شرطين : أحدهما : أن يكون قبلها نفي ، أو نهي ، أو استفهام .

والثاني : أن يكون بعدها نكرة ، وإن كان كذلك ، فلا يجوز أن يكون المعطوف على النكرة معرفة .

لا يجوز : ما ضربت من رجل ولا زيد ، وإنه لا يجوز : ولا من زيد ، وهو قدر المعطوف بالذي ، وهو معرفة ، فلا يعطف على النكرة المجرورة بمن الزائدة .

وقال أبو البقاء : ويجوز أن تكون ما زائدة ، أي وقد كنا منزلين ، وقوله ليس بشيء .