قوله تعالى : { ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم } ، أي : لأسمعهم سماع التفهم والقبول . قوله تعالى : { ولو أسمعهم } بعد أن علم أن لا خير فيهم ما انتفعوا بذلك .
قوله تعالى : { لتولوا وهم معرضون } ، لعنادهم وجحودهم الحق بعد ظهوره ، وقيل : إنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : أحيي لنا قصياً فإنه كان شيخاً مباركاً حتى يشهد لك بالنبوة فنؤمن بك ، فقال الله عز وجل : { ولو أسمعهم } كلام قصي { لتولوا وهم معرضون } .
وقوله - تعالى - { وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ } بيان لما جبلوا عليه من إيثار الغى على الرشد ، والضلالة على الهداية .
أى : ولو علم الله - تعالى - في هؤلاء الصم والبكم { خَيْراً } أى : استعدادا للإِيمان ورغبة فيما يصلح نفوسهم وقلوبهم { لأَسْمَعَهُمْ } سماع تفهم وتدبر ، أى : لجعلهم سامعين للحق ، ومستجيبين له ، ولكنه - سبحانه - لم يعلم فيهم شيئا من ذلك ، فحجب خيره عنهم بسبب سوء استعدادهم .
ولذا قال - تعالى - بعد ذلك : { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } أى : ولو أمسعهم سماع تفهم وتدبر ، وهم على هذه الحالة العارية من كل خير لتولوا عما سمعوه من الحق { وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } عن قبوله جحودا وعنادا .
قال الفخر الرازى : قوله - تعالى - : { وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } أى : أن كل ما كان حاصلا ، فإنه يجب أن يعلمه الله ، فعدم علم الله بوجوده من لوازم عدمه ، فلا جرم حسن التعبير عن عدمه في نفسه بعدم علم الله بوجوده ، وتقرير الكلام : لو حصل فيهم خير لأسمعهم الله الحجج والمواعظ سماع تعليم وتفهم ، ولو أسمعهم بعد أن علم أنه لا خير فيهم لم ينتفعوا به ، ولتولوا وهم معرضون .
( ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ) . .
أي لأسمع قلوبهم وشرحها لما تسمعه آذانهم . . ولكنه - سبحانه - لم يعلم فيهم خيرا ولا رغبة في الهدى فقد أفسدوا استعداداتهم الفطرية للتلقي والاستجابة ؛ فلم يفتح الله عليهم ما أغلقوا هم من قلوبهم ، وما أفسدوا هم من فطرتهم . ولو جعلهم الله يدركون بعقولهم حقيقة ما يدعون إليه ، ما فتحوا قلوبهم له ولا استجابوا لما فهموا . . ( ولو اسمعهم لتولوا وهم معرضون ) . . .
لأن العقل قد يدرك ، ولكن القلب المطموس لا يستجيب . فحتى لو أسمعهم الله سماع الفهم لتولوا هم عن الاستجابة . والاستجابة هي السماع الصحيح . وكم من ناس تفهم عقولهم ولكن قلوبهم مطموسة لا تستجيب !
ثم أخبر تعالى بأنهم لا فهم لهم صحيح ، ولا قصد لهم صحيح ، لو فرض أن لهم فهما ، فقال : { وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ } أي : لأفهمهم ، وتقدير الكلام : ولكن لا خير فيهم فلم يفهمهم ؛ لأنه يعلم أنه { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ } أي : أفهمهم { لَتَوَلَّوْا } عن ذلك قصدا وعنادا بعد فهمهم ذلك ، { وَهُمْ مُعْرِضُونَ } عنه .
{ ولو علم الله فيهم خيرا } سعادة كتبت لهم أو انتفاعا بالآيات . { لأسمعهم } سماع تفهم . { ولو أسمعهم } وقد علم أن لا خير فيهم . { لتولّوا } ولم ينتفعوا به ، أو ارتدوا بعد التصديق والقبول . { وهم معرضون } لعنادهم . وقيل كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : أحيي لنا قصيا فإنه كان شيخا مباركا حتى يشهد لك ونؤمن بك . والمعنى لأسمعهم كلام قصي .
ثم أخبر تعالى بأن عدم سمعهم وهداهم إنما هو بما علمه الله منهم وسبق من قضائه عليهم فخرج ذلك في عبارة بليغة في ذمهم في قوله { ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم } والمراد لأسمعهم إسماع تفهيم وهدى ، ثم ابتدأ عز وجل الخبر عنهم بما هم عليه من حتمه عليهم بالكفر فقال { ولو أسمعهم } أي ولو أفهمهم { لتولوا } بحكم القضاء السابق فيهم ولأعرضوا عما تبين لهم من الهدى ، وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت : المعنيّ بهذه الآية المنافقون ، وضعفه الطبري وكذلك هو ضعيف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.