تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَلَوۡ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمۡ خَيۡرٗا لَّأَسۡمَعَهُمۡۖ وَلَوۡ أَسۡمَعَهُمۡ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ} (23)

20

23 – { وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ . . . }

أي : ولو علم الله فيهم استعدادا للإيمان والهداية بنور النبوة ، ولم يفسد قبس الفطرة سوء القدرة وفساد التربية ؛ لأسمعهم بتوفيقه الكتاب والحكمة سماع تدبر وتفهم ، ولكنه قد علم أنه لا خير فيهم ممن ختم الله على قلوبهم وأحاطت بهم خطاياهم .

{ ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون } .

أي : ولو أسمعهم – وقد علم أنه لا خير فيهم – لتولوا عن القبول والإذعان وهم معرضون من قبل ذلك بقلوبهم عن قبوله والعمل به ؛ كراهة وعنادا للداعي إليه ولأهله ، فقد فقدوا الاستعداد لقبول الحق والخير فقدا تاما لا فقدا عارضا موقوتا .

والخلاصة : أن للسماع درجات باعتبار ما يطالب الله به من الاهتداء بكتابه :

1 – أن يعتمد من يتلى عليه ألا يسمعه مبارزة له بالعدوان بادئ ذي بدء خوفا من سلطانه على القلوب أن يغلبهم .

2 – أن يستمع وهو لا ينوي أن يفهم ويتدبر كالمنافقين الذين قال الله فيهم :

{ ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا } .

3 – أن يستمع لأجل التماس شبهة للطعن والاعتراض ، كما كان يفعل المعاندون من المشركون وأهل الكتاب وقت التنزيل وفي كل حين إذا استمعوا إلى القرآن أو نظروا فيه .

4 – أن يسمع ليفهم ويتدبر ثم يحكم له أو عليه ، وهذا هو المنصف ، وكم من السامعين أو القارئين آمن بعد أن نظر وتأمل ، فقد نظر طبيب فرنسي في ترجمة القرآن فرأى أن كل النظريات الطبية التي فيه كالطهارة والاعتدال في المآكل والمشارب وعدم الإسراف فيهما ونحو ذلك من المسائل التي فيها محافظة على الصحة ، توافق أحداث النظريات التي استقر عليها رأى الأطباء في هذا العصر ، فرغب في هذا كله وأسلم ، ورأى ربان بارجة انكليزية ترجمة للقرآن واستقصى كل ما فيها من الكلام عن البحار والرياح فظن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من كبار الملاحين في البحار ، وبعد أن سأل عن ذلك وعرف أنه لم يركب البحر قط ، وهو مع ذلك أمي لم يقرأ كتابا ولا تلقي عن أحد درسا قال : الآن علمت أنه كان يوحى من الله ؛ لأن حقائق لا يعلمها إلا من اختبر البحار بنفسه ، أو تلقاها عن غيره من المختبرين ، ثم أسلم وتعلم العربية .

وكثير من المسلمين يستمعون القراء ويتلون القرآن فلا يشعرون بأنهم في حاجة إلى فهمه وتدبر معناه ، بل يستمعونه للتلذذ بتجويده وتوقيع التلاوة على قواعد النغم ، أو يقصدون بسماعه التبرك فقط ، ومنهم من يحضر الحفاظ عنده في ليالي رمضان ، ويجلسهم في حجرة البوابين أو غيرهم من الخدم تشبها بالأكابر والوجهاء .