إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَوۡ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمۡ خَيۡرٗا لَّأَسۡمَعَهُمۡۖ وَلَوۡ أَسۡمَعَهُمۡ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ} (23)

{ وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا } شيئاً من جنس الخيرِ الذي من جملته صرفُ قواهم إلى تحرّي الحقِّ واتباعِ الهدى { لأسمعهم } سماعَ تفهمٍ وتدبر ولوقفوا على حقّية الرسولِ عليه الصلاة والسلام وأطاعوه وآمنوا به ولكن لم يعلم فيهم شيئاً من ذلك لخلوّهم عنه بالمرة فلم يُسمِعْهم كذلك لخلوه عن الفائدة وخروجِه عن الحكمة وإليه أشير بقوله تعالى : { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ } أي لو أسمعهم سماعَ تفهّمٍ وهم على هذه الحالة العارية من الخير بالكلية لتولّوا عما سمِعوه من الحق ولم ينتفعوا به قطُّ أو ارتدوا بعد ما صدقوه وصاروا كأن لم يسمعوه أصلاً وقوله تعالى : { وَهُم مُّعْرِضُونَ } إما حالٌ من ضمير تولوا أي لتولوا على أدبارهم والحالُ أنهم معرضون عما سمعوه بقلوبهم ، وإما اعتراضٌ تذييلىٌّ أي وهم قومٌ عادتُهم الإعراضُ وقيل : كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أحيِ قُصَيّاً فإنه كان شيخَاً مباركاً حتى يشهدَ لك ونؤمنَ بك فالمعنى ولو أسمعهم كلام قصيَ الخ وقيل : هم بنو عبد الدار بن قصي ، لم يُسلم منهم إلا مصعبُ بنُ عميرٍ وسويدُ بن حرْملة كانوا يقولون : نحن صمٌّ بكمٌ عميٌ عما جاء به محمدٌ لا نسمعه ولا نجيبه قاتلهم الله تعالى فقُتلوا جميعاً بأحد وكانوا أصحابَ اللواءِ وعن ابن جريج أنهم المنافقون وعن الحسن رضي الله عنه أنهم أهلُ الكتاب .