قوله : { وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ } سماع الفهم والقبول ، ولو أسمعهم بعد أن علم أنه لا خير فيهم ما انتفعوا بذلك ، ولتولَّوا وهم معرضون لعنادهم وجحدوهم الحقَّ بعد ظهوره .
وقيل : إنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم أحي لنا قُصَيّاً فإنَّه كان شيخاً مباركاً حتى نشهد لك بالنُّبوَّة من ربك فقال اللَّه - عزَّ وجلَّ - : { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ } كلام قصيٍّ : { لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } .
اعلم أنَّهُ تعالى حكم عليهم بالتَّولي عن الدلائل ، وبالإعراض عن الحق ، وأنَّهُم لا يعقلونه البتَّة ولا ينتفعون به ألبتَّة ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون صدور الإيمان منهم مُحَالاً ؛ لأنَّهُ لو صدر منهم الإيمان ، لكان إمّا أن يوجد إيمانهم مع بقاء هذا الخبر صدقاً ، أو مع انقلابه كذباً ، والأول محالٌ ؛ لأنَّ وجود الإيمان مع الإخبار عن عدم الإيمان يكون جميعاً بين النَّقيضيْنِ وهو محالٌ ، والثاني محالٌ ؛ لأن انقلاب خبر اللَّهِ الصدق كذباً محالٌ ، لا سيَّمَا في الزَّمانِ المنقضي وهكذا القول في انقلاب علم اللَّه جهلاً ، كما تقدَّم تقريره .
قال النُّحاة : كلمة " لو " وضعت للدلالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره .
فإذا قلت : لو جئتني لأكرمتك ، أفاد أنَّه ما حصل المجيءُ ، وما حصل الإكرامُ ، ومن الفقهاء مَنْ قال : إنَّه يفيد الاستلزام ، فأمَّا الانتفاء لأجل انتفاء الغير ، فلا يفيده هذا اللَّفْظُ ، ويدل عليه الآية والخبر .
أمَّا الآية فهذه وتقريره : أنَّ كلمة " لَوْ " لو أفادت ما ذكروه لكان قوله : { وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ } يقتضي أنَّهُ تعالى ما علم خيراً وما أسمعهم ، ثمَّ قال { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } فيكون معناه : أنه ما أسمعهم ، وأنهم ما تولَّوا لكن عدم التولي خير من الخيرات ، فأوَّل الكلام يقتضي نفي الخير ، وآخره يقتضي حصول الخير ، وذلك متناقض .
فثبت القولُ : بأنَّهُ لو كانت كلمة : " لَوْ " تفيد انتفاء الشَّيء لانتفاء غيره لوجب هذا التناقص ؛ فوجب أن لا يُصار إليه .
وأمَّا الخبر فقوله عليه الصلاة والسلام : " نِعْم الرَّجُلُ صُهَيْبٌ لو لمْ يَخَفِ اللَّه لَمْ يَعْصِهِ " {[17250]} فلو كانت لفظه " لَوْ " تفيدُ ما ذكروه لصار المعنى أنَّهُ خاف الله وعصاه ، وذلك متناقض .
فثبت أنَّ كلمة " لَوْ " لا تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره ، وإنَّما تفيدُ مجرد الاستلزام ، وهذا دليل حسن إلاَّ أنَّهُ خلاف قول الجمهور .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.