قوله تعالى : { وإن كانوا } وقد كانوا ، { من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين } أي آيسين ، وقيل : وإن كانوا ، أي : وما كانوا إلا مبلسين ، وأعاد قوله : من قبله تأكيداً . وقيل : الأولى ترجع إلى إنزال المطر ، والثانية إلى إنشاء السحاب . وفي حرف عبد الله بن مسعود : ( وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم لمبلسين ) غير مكرر .
ثم بين - سبحانه - حالهم قبل نزول تلك الأمطار عليهم فقال : { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } .
وإن مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن المحذوف ، والضمير فى { يُنَزَّلَ } يعود للمطر ، وفى قوله { مِّن قَبْلِهِ } يعود لنزول المطر - أيضاً - على سبيل التأكيد ، وقوله : { لَمُبْلِسِينَ } خبر كان . والإِبلاس : اليأس من الخير ، والسكوت ، والانكسار غما وحزنا . يقال : أبلس الرجل ، إذا سكت على سبيل اليأس والذل والانكسار .
أى : هم عند نزول الأمطار يستبشرون ويفرحون ، ولو رأيت حالهم قبل نزول الأمطار لرأيتهم فى غاية الحيرة والقنوط والإِبلاس ، لشدة حاجتهم إلى الغيث الذى طال انتظارهم له وتطلعهم إليه دون أن ينزل .
قال صاحب الكشاف : وقوله { مِّن قَبْلِهِ } من باب التكرير والتوكيد ، كقوله - تعالى - : { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي النار خَالِدِينَ فِيهَا } " ومعنى التوكيد فيه الدلالة على أن عهدهم بالمطر قد تطاول وبعد ، فاستحكم يأسهم ، وتمادى إبلاسهم ، فكان الاستبشار على قدر اغتمامهم بذلك " .
وقوله : { وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنزلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } ، معنى الكلام : أن هؤلاء القوم الذين أصابهم هذا المطر كانوا قَنطين أزلين من نزول المطر إليهم قبل ذلك ، فلما جاءهم ، جاءهم على فاقة ، فوقع منهم موقعا عظيما .
وقد اختلف النحاة في قوله : { مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنزلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } ، فقال ابن جرير : هو تأكيد . وحكاه عن بعض أهل العربية .
وقال آخرون : [ وإن كانوا ]{[22890]} من قبل أن ينزل عليهم المطر ، { مِنْ قَبْلِهِ } أي : الإنزال { لَمُبْلِسِينَ } .
ويحتمل أن يكون ذلك من دلالة التأسيس ، ويكون معنى الكلام : أنهم كانوا محتاجين إليه قبل نزوله ، ومن قبله - أيضا - قد فات عندهم نزوله وقتا بعد وقت ، فترقبوه في إبانه فتأخر ، فمضت مدة فترقبوه فتأخر ، ثم جاءهم بغتة بعد الإياس منه والقنوط ، فبعد ما كانت أرضهم مقشعرة هامدة أصبحت وقد اهتزت وربت ، وأنبتت من كل زوج بهيج ؛ ولهذا قال : { فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ }
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وكان هؤلاء الذين أصابهم الله بهذا الغيث من عباده من قبل أن ينزل عليهم هذا الغيث من قبل هذا الغيث "لمبلسين"، يقول: لمكتئبين حزنين باحتباسه عنهم... عن قَتادة "وَإنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أنْ يُنَزّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ": أي قانطين.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{مِن قَبْلِهِ} من باب التكرير والتوكيد، كقوله تعالى: {فَكَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا فِي النار خالدين فِيهَا} [الحشر: 17]. ومعنى التوكيد فيه: الدلالة على أن عهدهم بالمطر قد تطاول وبعد، فاستحكم بأسهم وتمادى إبلاسهم فكان الاستبشار على قدر اغتمامهم بذلك.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
... فلما جاءهم، جاءهم على فاقة، فوقع منهم موقعا عظيما...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ثم بين طيشهم وعجزهم بقوله: {وإن} أي والحال أنهم {كانوا} في الزمن الماضي كوناً متمكناً في نفوسهم، وبين قرب يأسهم من استبشارهم دلالة على سرعة انفعالهم وكثرة تقلبهم بالجار، فقال: {من قبل أن ينزل}.
{لمبلسين} أي ساكتين على ما في أنفسهم تحيراً ويأساً وانقطاعاً، فلم يكن لهم على الإتيان بشيء من ذلك حيلة، ولا لمعبوداتهم صلاحية له باستقلال ولا وسيلة...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{مِنْ قَبْلِه} تكرير لقوله {من قبلِ أن ينزّل عليهم} لتوكيد معنى قبلية نزول المطر وتقريره في نفوس السامعين...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.