فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيۡهِم مِّن قَبۡلِهِۦ لَمُبۡلِسِينَ} (49)

{ وإن } أي : وإن الشأن ، وفسر المحلي إن بقد ، تبعا للبغوي ، والأول أولى ، ويدل له اللام في لمبلسين ، فإنها اللام الفارقة { كانوا من قبل أن ينزل عليهم } المطر { من قبله } تكرير للتأكيد ، قاله الأخفش ، وأكثر النحويين كما حكاه عنهم النحاس ، كقوله : فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها ، ومعنى التوكيد فيها على ما قاله الزمخشري : الدلالة على أن عهدهم بالمطر قد تطاول ، فاستحكم يأسهم ، وتمادى إبلاسهم فكان الاستبشار على قدر اغتمامهم بذلك .

قال السمين : وهو كلام حسن وقال ابن عطية : وفائدة هذا التأكيد الإعلام بسرعة تقلب قلوب البشر من الإبلاس إلى الاستبشار ، وذلك أن قوله : من قبل أن ينزل عليهم ، ويحتمل الفسحة في الزمان ، أي : من قبل أن ينزل بكثير كالأيام ، فجاء قوله ، من قبله بمعنى : أن ذلك متصل بالمطر : فهو تأكيد مفيد ، وقال قطرب : إن الضمير في قبله راجع إلى المطر . أي : وإن كانوا من قبل التنزيل من قبل المطر ، قيل : المعنى من قبل تنزيل الغيث عليهم : من قبل الزرع والمطر ، وقيل : من قبل أن ينزل عليهم : من قبل السحاب ، أي من قبل رؤيته ، واختار هذا النحاس . وقيل : الضمير عائد إلى الكسف ، وقيل : إلى الإرسال ، والراجح الوجه الأول ، وما بعده من هذه الوجوه كلها ففي غاية التكلف والتعسف .

{ لمبلسين } أي آيسين ، يقال : أبلس الرجل إبلاسا : سكت ، وأبلس أيس ، وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا .