معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَـٰٓؤُلَآءِ يَنطِقُونَ} (65)

قوله تعالى : { ثم نكسوا على رؤوسهم } قال أهل التفسير : أجرى الله الحق على لسانهم في القول الأول ، ثم أدركتهم الشقاوة ، فهو معنى قوله : ثم نكسوا على رؤوسهم أي ردوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم ، يقال : نكس المريض إذا رجع إلى حالته الأول وقالوا { لقد علمت ما هؤلاء ينطقون } فكيف نسألهم ؟ فلما اتجهت الحجة لإبراهيم عليه السلام .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَـٰٓؤُلَآءِ يَنطِقُونَ} (65)

ولكن هذا الأثر ، وهذا اللوم لأنفسهم ، لم يلبث إلا قليلا حتى تبدد ، بسبب استيلاء العناد والجحود عليهم ، فقد صور القرآن حالهم بعد ذلك فقال : { ثُمَّ نُكِسُواْ على رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤلاء يَنطِقُونَ } .

وقوله : { نُكِسُواْ } فعل مبنى للمجهول من النكس ، وهو قلب الشىء من حال إلى حال ، وأصله : قلب الشىء بحيث يصير أعلاه أسفله .

أى : ثم انقلبوا من لومه لأنفسهم لعبادتهم لما لا يقدر على دفع الأذى عنه ، إلى التصميم على كفرهم وضلالهم ، فقالوا لإبراهيم على سبيل التهديد : لقد علمت أن هذه الأصنام لا تنطق ، فكيف تأمرنا بسؤالها ؟ إن أمرك هذا لنا لهو دليل على أنك تسخر بعقولنا ، ونحن لن نقبل ذلك ، وسننزل بك العقاب الذى تستحقه .

وقد شبه القرآن الكريم عودتهم إلى باطلهم وعنادهم ، بعد رجوعهم إلى أنفسهم باللوم ، شبه ذلك بالانتكاس ، لأنهم بمجرد أى خطرت لهم الفكرة السليمة ، أطفأوها بالتصميم على الكفر والضلال ، فكان مثلهم كمثل من انتكس على رأسه بعد أن كان ماشيا على قدميه ، فياله من تصوير بديع لحالة من يعود إلى الظلام ، بعد أن يتبين له النور .

والجملة الكريمة { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤلاء يَنطِقُونَ } جواب لقسم محذوف ، معمول لقول محذوف ، والتقدير : ثم نكسوا على رءوسهم قائلين : والله لقد علمت ما هؤلاء ينطقون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَـٰٓؤُلَآءِ يَنطِقُونَ} (65)

48

ولكنها لم تكن إلا ومضة واحدة أعقبها الظلام ، وإلا خفقة واحدة عادت بعدها قلوبهم إلى الخمود :

( ثم نكسوا على رؤوسهم . لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ) !

وحقا لقد كانت الأولى رجعة إلى النفوس ، وكانت الثانية نكسة على الرؤوس ؛ كما يقول التعبير القرآني المصور العجيب . . كانت الأولى حركة في النفس للنظر والتدبر . أما الثانية فكانت انقلابا على الرأس فلا عقل ولا تفكير . وإلا فإن قولهم هذا الأخير هو الحجة عليهم . وأية حجة لإبراهيم أقوى من أن هؤلاء لا ينطقون ? !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَـٰٓؤُلَآءِ يَنطِقُونَ} (65)

وقال السدي : { ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ } أي : في الفتنة .

وقال ابن زيد : أي في الرأي .

وقول قتادة أظهر في المعنى ؛ لأنهم إنما فعلوا ذلك حيرة وعجزًا ؛ ولهذا قالوا له : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ } ، فكيف تقول لنا : سلوهم إن كانوا ينطقون ، وأنت تعلم أنها لا تنطق،

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَـٰٓؤُلَآءِ يَنطِقُونَ} (65)

وقوله : ثُمّ نُكِسُوا على رُءُوسِهِمْ يقول جلّ ثناؤه : ثم غُلِبوا في الحجة ، فاحتجوا على إبراهيم بما هو حجة لإبراهيم عليهم ، فقالوا : لقد علمت ما هؤلاء الأصنام ينطقون . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثم قالوا : يعني قوم إبراهيم ، وعرفوا أنها ، يعني آلهُتهم لا تضرّ ولا تنفع ولا تبطِش : لَقَدْ عَلِمْتَ ما هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ : أي لا تتكلم فتخبرنا من صنع هذا بها ، وما تبطش بالأيدي فنصدّقك ، يقول الله : ثُمّ نُكِسُوا عَلى رُءُوسِهِمْ في الحجة عليهم لإبراهيم حين جادلهم ، فقال عند ذلك إبراهيم حين ظهرت الحجة عليهم بقولهم : لَقَدْ عَلِمْتَ ما هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ .

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة قال الله : ثُمّ نُكِسُوا عَلى رُءُوسِهِمْ أدركت الناسَ حَيرة سَوْء .

وقال آخرون : معنى ذلك : ثم نُكسوا في الفتنة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ثُمّ نُكِسُوا عَلى رُءُوسِهِمْ قال : نكسوا في الفتنة على رءوسهم ، فقالوا : لقد علمت ما هؤلاء ينطقون .

وقال بعض أهل العربية : معنى ذلك : ثم رجعوا عما عرفوا من حجة إبراهيم ، فقالوا : لقد علمت ما هؤلاء ينطقون .

وإنما اخترنا القول الذي قلنا في معنى ذلك ، لأن نَكْسَ الشيء على رأسه : قَلْبُه على رأسه وتَصْيِيرُ أعلاه أسفله ومعلوم أن القوم لم يُقْلبوا على رءوس أنفسهم ، وأنهم إنما نُكست حجتهم ، فأقيم الخبر عنهم مقام الخبر عن حجتهم . وإذ كان ذلك كذلك ، فنَكْس الحجة لا شك إنما هو احتجاج المحتجّ على خصمه بما هو حجة لخصمه . وأما قول السديّ : ثم نكسوا في الفتنة ، فإنهم لم يكونوا خرجوا من الفتنة قبل ذلك فنكسوا فيها . وأما قول من قال من أهل العربية ما ذكرنا عنه ، فقول بعيد من الفهوم لأنهم لو كانوا رجعوا عما عرفوا من حجة إبراهيم ، ما احتجوا عليه بما هو حجة له ، بل كانوا يقولون له : لا تسألهم ، ولكن نسألك فأخبرنا مَنْ فعل ذلك بها ، وقد سمعنا أنك فعلت ذلك ولكن صدقوا القول فَقالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ وليس ذلك رجوعا عما كانوا عرفوا ، بل هو إقرار به .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَـٰٓؤُلَآءِ يَنطِقُونَ} (65)

فعل { نُكِسوا } مبني للمجهول ، أي نَكسهم ناكس ، ولمّا لم يكن لذلك النكس فاعل إلاّ أنفسهم بني الفعل للمجهول فصار بمعنى : انتَكَسوا على رؤوسهم . وهذا تمثيل .

والنكس : قلب أعلى الشيء أسفلَه وأسفله أعلاه ، يقال : صُلب اللص منكوساً ، أي مجعولاً رأسه مباشراً للأرض ، وهو أقبح هيئات المصلوب .

ولما كان شأن انتصاب جسم الإنسان أن يكون منتصباً على قدميه فإذا نُكِّس صار انتصابه كأنه على رأسه ، فكان قوله هنا { نكسوا على رؤوسهم } تمثيلاً لتغيّر رأيهم عن الصواب كما قالوا { إنكم أنتم الظالمون } إلى معاودة الضلال بهيئة من تغيرت أحوالهم من الانتصاب على الأرجل إلى الانتصاب على الرؤوس منكوسين . فهو من تمثيل المعقول بالمحسوس والمقصود به التشنيع . وحرف ( على ) للاستعلاء أي علت أجسادهم فوق رؤوسهم بأن انكبوا انكباباً شديداً بحيث لا تبدو رؤوسهم . وتحتمل الآية وجوهاً أخرى أشار إليها في « الكشاف » .

والمعنى : ثم تغيرت آراؤهم بعد أن كادوا يعترفون بحجة إبراهيم فرجعوا إلى المكابرة والانتصار للأصنام ، فقالوا : { لقد علمت ما هؤلاء ينطقون } ، أي أنت تعلم أن هؤلاء الأصنام لا تنطق فما أردت بقولك { فاسألوهم إن كانوا ينطقون } إلا التنصل من جريمتك .

فجملة { لقد علمت } إلى آخرها مقول قول محذوف دل عليه { فقالوا إنكم أنتم الظالمون } .

وجملة { ما هؤلاء ينطقون } تفيد تقوي الاتصاف بانعدام النطق ، وذلك بسبب انعدام آلته وهي الألسُن .

وفعل { عَلمت } معلق عن العمل لوجود حرف النفي بعده ، فلما اعترفوا بأن الأصنام لا تستطيع النطق انتهز إبراهيم الفرصة لإرشادهم مفرعاً على اعترافهم بأنها لا تنطق استفهاماً إنكارياً على عبادتهم إياها وزائداً بأن تلك الأصنام لا تنفع ولا تضر .

وجعل عدم استطاعتها النفع والضر ملزوماً لعدم النطق لأن النطق هو واسطة الإفهام ، ومن لا يستطيع الإفهام تبين أنه معدوم العقل وتوابعه من العلم والإرادة والقدرة .