البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَـٰٓؤُلَآءِ يَنطِقُونَ} (65)

النكس : قلب الشيء بحيث يصير أعلاه أسفل ، ونكس رأسه بالتشديد والتخفيف طأطأ حتى صار أعلاه أسفل .

{ ثم نكسوا على رؤوسهم } أي ارتكبوا في ضلالهم وعلموا أن الأصنام لا تنطق فساءهم ذلك حين نبه على قيام الحجة عليهم وهي استعارة للذي يرتطم في غيه كأنه منكوس على رأسه وهي أقبح هيئة للإنسان ، فكان عقله منكوس أي مقلوب لانقلاب شكله ، وجعل أعلاه أسفله فرجوعهم إلى أنفسهم كناية عن استقامة فكرهم ونكسهم كناية عن مجادلتهم ومكابرتهم .

ويحتمل أن يكون { نكسوا على رؤوسهم } كناية عن تطأطىء رؤوسهم وتنكيسها إلى الأرض على سبيل الخجل والانكسار مما بهتهم به إبراهيم من قول الحق ودمغهم به فلم يطيقوا جواباً .

و { لقد علمت } جواب قسم محذوف معمول لقول محذوف في موضع الحال أي قائلين { لقد علمت ما هؤلاء ينطقون } فكيف تقول لنا { فاسألوهم } إنما قصدت بذلك توبيخاً ويحتمل أن يكون النكس للفكرة فيما يجيبون به .

وقال مجاهد { نكسوا على رؤوسهم } أي ردّت السفلة على الرؤساء و { علمت } هنا معلقة ، والجملة المنفية في موضع مفعولي علمت إن تعدت إلى اثنين أو في موضع مفعول واحد إن تعدت لواحد .

وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة وابن مقسم وابن الجارود والبكراوي كلاهما عن هشام بتشديد كاف { نكّسوا } وقرأ رضوان بن المعبود { نكسوا } بتخفيف الكاف مبنياً للفاعل أي نكسوا أنفسهم .