الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَـٰٓؤُلَآءِ يَنطِقُونَ} (65)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ثم نكسوا على رءوسهم} يقول: رجعوا عن قولهم الأول، فقالوا لإبراهيم: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}، فتخبرنا من كسرها.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"ثُمّ نُكِسُوا على رُءُوسِهِمْ" يقول جلّ ثناؤه: ثم غُلِبوا في الحجة، فاحتجوا على إبراهيم بما هو حجة لإبراهيم عليهم، فقالوا: "لقد علمت ""ما هؤلاء" الأصنام "ينطقون"... عن قَتادة قال الله: "ثُمّ نُكِسُوا عَلى رُءُوسِهِمْ": أدركت الناسَ حَيرة سَوْء.

وقال آخرون: معنى ذلك: ثم نُكسوا في الفتنة...

وقال بعض أهل العربية: معنى ذلك: ثم رجعوا عما عرفوا من حجة إبراهيم، فقالوا: لقد علمت ما هؤلاء ينطقون.

وإنما اخترنا القول الذي قلنا في معنى ذلك، لأن نَكْسَ الشيء على رأسه: قَلْبُه على رأسه وتَصْيِيرُ أعلاه أسفله، ومعلوم أن القوم لم يُقْلبوا على رؤوس أنفسهم، وأنهم إنما نُكست حجتهم، فأقيم الخبر عنهم مقام الخبر عن حجتهم. وإذ كان ذلك كذلك، فنَكْس الحجة لا شك إنما هو احتجاج المحتجّ على خصمه بما هو حجة لخصمه. وأما قول السديّ: ثم نكسوا في الفتنة، فإنهم لم يكونوا خرجوا من الفتنة قبل ذلك فنكسوا فيها. وأما قول من قال من أهل العربية ما ذكرنا عنه، فقول بعيد من الفهوم لأنهم لو كانوا رجعوا عما عرفوا من حجة إبراهيم، ما احتجوا عليه بما هو حجة له، بل كانوا يقولون له: لا تسألهم، ولكن نسألك فأخبرنا مَنْ فعل ذلك بها، وقد سمعنا أنك فعلت ذلك، ولكن صدقوا القول فَقالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ وليس ذلك رجوعا عما كانوا عرفوا، بل هو إقرار به.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

متحيّرين مثبورين، وعلموا أنّها لا تنطق ولا تبطش، فقالوا {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ}.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

(لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) ومعناه: فكيف نسألهم؟.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

نكسته: قلبته فجعلت أسفله أعلاه، وانتكس: انقلب، أي: استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاءوا بالفكرة الصالحة، ثم انتكسوا وانقلبوا عن تلك الحالة، فأخذوا في المجادلة بالباطل والمكابرة، وأنّ هؤلاء -مع تقاصر حالها عن حال الحيوان الناطق- آلهة معبودة، مضارّة منهم. أو انتكسوا عن كونهم مجادلين لإبراهيم عليه السلام مجادلين عنه، حين نفوا عنها القدرة على النطق. أو قلبوا على رؤوسهم حقيقة، لفرط إطراقهم خجلاً وانكساراً وانخزالاً مما بهتهم به إبراهيم عليه السلام، فما أحاروا جواباً ما هو حجة عليهم.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقوله تعالى: {نكسو على رؤوسهم} استعارة للذي يرتطم في غيه كأنه منكوس على رأسه فهي أقبح هيئة للإنسان وكذلك هذا هو في أسوأ حالات النظر، فقال لإبراهيم حين نكسوا في حيرتهم {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} أي فما بالك تدعو إلى ذلك.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان رجوعهم إلى الضلال بعد هذا الإقرار الصحيح الصريح في غاية البعد، عبر بأداته مشيراً إلى ذلك فقال: {ثم نكسوا} أي انقلبوا في الحال غير مستحيين مما يلزمهم من الإقرار بالسفه،حتى كأنهم قلبهم قالب لم يمكنهم دفعه {على رؤوسهم}، فصار أعلاهم أسفلهم برجوعهم عن الحق إلى الباطل، من قولهم: نكس المريض -إذا رجع إلى حاله الأول، قائلين في مجادلته عن شركائهم: {لقد علمت} يا إبراهيم! {ما هؤلاء} لا صحيحهم ولا جريحهم {ينطقون}، فكانوا بما فاهوا به ظانين أنه ينفعهم، ممكنين لإبراهيم عليه السلام من جلائل المقاتل.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(ثم نكسوا على رؤوسهم. لقد علمت ما هؤلاء ينطقون)! وحقا لقد كانت الأولى رجعة إلى النفوس، وكانت الثانية نكسة على الرؤوس؛ كما يقول التعبير القرآني المصور العجيب.. كانت الأولى حركة في النفس للنظر والتدبر، أما الثانية فكانت انقلابا على الرأس فلا عقل ولا تفكير، وإلا فإن قولهم هذا الأخير هو الحجة عليهم، وأية حجة لإبراهيم أقوى من أن هؤلاء لا ينطقون؟!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ولما كان شأن انتصاب جسم الإنسان أن يكون منتصباً على قدميه فإذا نُكِّس صار انتصابه كأنه على رأسه، فكان قوله هنا {نكسوا على رؤوسهم} تمثيلاً لتغيّر رأيهم عن الصواب كما قالوا {إنكم أنتم الظالمون} إلى معاودة الضلال بهيئة من تغيرت أحوالهم من الانتصاب على الأرجل إلى الانتصاب على الرؤوس منكوسين، فهو من تمثيل المعقول بالمحسوس والمقصود به التشنيع. وحرف (على) للاستعلاء أي علت أجسادهم فوق رؤوسهم بأن انكبوا انكباباً شديداً بحيث لا تبدو رؤوسهم... والمعنى: ثم تغيرت آراؤهم بعد أن كادوا يعترفون بحجة إبراهيم فرجعوا إلى المكابرة والانتصار للأصنام، فقالوا: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}، أي أنت تعلم أن هؤلاء الأصنام لا تنطق فما أردت بقولك {فاسألوهم إن كانوا ينطقون} إلا التنصل من جريمتك.

فجملة {لقد علمت} إلى آخرها مقول قول محذوف دل عليه {فقالوا إنكم أنتم الظالمون}.

وجملة {ما هؤلاء ينطقون} تفيد تقوي الاتصاف بانعدام النطق، وذلك بسبب انعدام آلته وهي الألسُن.

وفعل {عَلمت} معلق عن العمل لوجود حرف النفي بعده، فلما اعترفوا بأن الأصنام لا تستطيع النطق انتهز إبراهيم الفرصة لإرشادهم مفرعاً على اعترافهم بأنها لا تنطق استفهاماً إنكارياً على عبادتهم إياها وزائداً بأن تلك الأصنام لا تنفع ولا تضر.

وجعل عدم استطاعتها النفع والضر ملزوماً لعدم النطق لأن النطق هو واسطة الإفهام، ومن لا يستطيع الإفهام تبين أنه معدوم العقل وتوابعه من العلم والإرادة والقدرة.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

أحسوا بالعجز عن مواجهة إبراهيم في اتهامه للصنم الكبير بالعدوان، لأن ذلك يكشف زيف عبادتهم لها؛ ولكنهم لا يملكون التراجع، بل يريدون الإصرار على الخطأ، فمضوا يواجهونه بأن ما طلبه منهم من توجيه السؤال إلى الأصنام لا معنى له، {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ} فكيف نوجه السؤال إليهم، وكيف نوجه الاتهام في ذلك إلى الصنم الكبير الذي لا يحس ولا يعقل ولا ينطق، إن ذلك كله يعني أنك أنت الذي حطم الأصنام.