اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَـٰٓؤُلَآءِ يَنطِقُونَ} (65)

قوله :{ ثُمَّ نُكِسُواْ على رُءُوسِهِمْ } قرأ العامة : «نُكِسُوا » مبنياً للمفعول مخفف الكاف أي : نكسهم الله{[28886]} أو خجلهم . و { عَلَى رُؤُوسِهِم } حال ، أي : كائنين على رؤوسهم{[28887]} . ويجوز أن يتعلق بنفس الفعل{[28888]} . والنَّكْسُ والتَّنْكِيسُ : القلب ، يقال : نَكَسَ رَأْسَهُ ونَكَّسَهُ مخففاً ومشدداً . أي : طأطأه حتى صار أعلاه أسفله{[28889]} .

وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة وابن الجارود{[28890]} وابن مقسم : «نُكِّسُوا » بالتشديد{[28891]} وقد تقدم أنه لغة في المخفف ، فليس التشديد لتعدية ولا لتكثير .

وقرأ رضوان بن عبد المعبود{[28892]} : «نَكَسُوا » مخففاً مبنياً للفاعل{[28893]} ، وعلى هذا فالمفعول محذوف تقديره : نكسوا أنفسهم على رؤوسهم .

فصل

قال المفسرون : أجرى اله الحق على ألسنتهم في القول الأول{[28894]} ثم أدركتهم الشقاوة فهو معنى قوله : { ثُمَّ نُكِسُواْ على رُءُوسِهِمْ } أي : ردوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم{[28895]} . وقيل : قلبوا على رؤوسهم حقيقة بفرط إطراقهم خجلاً وانكساراً وانخزالاً مما بهتهم إبراهيم ، فلما أحاروا جواباً إلا ما هو حجة لإبراهيم -عليه السلام-{[28896]} حين جادلهم- فقالوا : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤلاء يَنطِقُونَ } فأقروا بهذه الحجة التي لحقتهم{[28897]} .

قوله : { مَا هؤلاء يَنطِقُونَ } هذه الجملة جاب قسم محذوف ، والقسم وجوابه معمولان لقول مضمر ، وذلك القول المضمر حال من مرفوع «نُكِسُوا » أي : نكسوا قائلين : والله لقد علمت{[28898]} .


[28886]:لفظ الجلالة سقط من الأصل.
[28887]:انظر التبيان 2/922.
[28888]:المرجع السابق.
[28889]:وفي اللسان (نكس): النّكس: قلب الشيء على رأسه، نكسه ينكسه نكسا فانتكس، ونكس رأسه: أماله، ونكّسته تنكيسا، وفي التنزيل: {ناكسوا رؤوسهم عند ربهم} [السجدة: 12]. والناكس: المطأطئ رأسه، ونكس رأسه إذا طأطأه من ذل. وقيل: النكس في الأشياء معنى يرجع إلى قلب الشيء ورده وجعل أعلاه أسفله ومقدمه مؤخره.
[28890]:تقدم.
[28891]:المختصر (92)، البحر المحيط 6/325-326.
[28892]:لم أقف له على ترجمة فيما رجعت إليه من مراجع.
[28893]:المختصر (92)، البحر المحيط 6/325-326.
[28894]:وهو قوله تعالى: {فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون} [الآية: 64] من السورة نفسها.
[28895]:انظر البغوي 5/496.
[28896]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[28897]:انظر الفخر الرازي 22/286.
[28898]:انظر البحر المحيط 6/235.