{ وادخلي جنتي } وقال بعض أهل الإشارة : يا أيتها النفس المطمئنة إلى الدنيا ارجعي إلى الله بتركها ، والرجوع إلى الله هو سلوك سبيل الآخرة . وقال سعيد بن جبير : مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته ، فجاء طائر لم ير على صورة خلقه فدخل نعشه ، ثم لم ير خارجاً منه ، فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر ، ولم ندر من قرأها : { يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي } .
{ وادخلي جَنَّتِي } التى وعدتهم بها ، والتى أعددتها لنعيمهم الدائم المقيم .
وقد ذكروا أن هذه الآيات الكريمة نزلت فى شأن عثمان بن عفان لّما تصدق ببئر رومة .
وقيل : نزلت فى حمزة بن عبد المطلب حين استشهد .
قال القرطبى : والصحيح أنها عامة فى نفس كل مؤمن مخلص طائع . .
نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا جميعا من أصحاب النفوس المطمئنة .
" وادخلي جنتي " . . في كنفي ورحمتي . .
إنها عطفة تنسم فيها أرواح الجنة . منذ النداء الأول : " يا أيتها النفس المطمئنة " . . المطمئنة إلى ربها . المطمئنة إلى طريقها . المطمئنة إلى قدر الله بها . المطمئنة في السراء والضراء ، وفي البسط والقبض ، وفي المنع والعطاء . المطمئنة فلا ترتاب والمطمئنة فلا تنحرف . والمطمئنة فلا تتلجلج في الطريق . والمطمئنة فلا ترتاع في يوم الهول الرعيب . .
ثم تمضي الآيات تباعا تغمر الجو كله بالأمن والرضى والطمأنينة ، والموسيقى الرخية الندية حول المشهد ترف بالود والقربى والسكينة .
ألا إنها الجنة بأنفاسها الرضية الندية ، تطل من خلال هذه الآيات . وتتجلى عليها طلعة الرحمن الجليلة البهية . . .
قوله : ارْجِعي إلى رَبّكِ اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : هذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن قيل الملائكة لنفس المؤمن عند البعث ، تأمرها أن ترجع في جسد صاحبها قالوا : وعُنِي بالردّ هاهنا صاحبها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ ارْجِعي إلى رَبّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيّةً قال : تردّ الأرواح المطمئنة يوم القيامة في الأجساد .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فادْخُلِي فِي عبادِي وَادْخُلِي جَنّتِي يأمر الله الأرواح يوم القيامة أن ترجع إلى الأجساد ، فيأتون الله كما خلقهم أوّل مرّة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن عكرِمة في هذه الاَية : ارْجِعي إلى رَبّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيّةً إلى الجسد .
وقال آخرون : بل يقال ذلك لها عند الموت . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ارْجِعي إلَى رَبّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيّةً قال : هذا عند الموت فادْخُلِي فِي عِبادِي قال : هذا يوم القيامة .
وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن ابن عباس والضحاك ، أن ذلك إنما يقال لهم عند ردّ الأرواح في الأجساد يوم البعث لدلالة قوله : فادْخُلِي فِي عِبادِي وادْخُلِي جَنّتِي .
اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : فادخلي في عبادي الصالحين ، وادخلي جنتي . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فادْخُلِي فِي عِبادِي قال : ادخلي في عبادي الصالحين وَادْخُلِي جَنّتِي .
وقال آخرون : معنى ذلك : فادْخُلِي في طَاعَتِي وَادخُلِي جَنّتِي . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن نعيم بن ضمضم ، عن محمد بن مزاحم أخي الضحاك بن مُزاحم : فادْخُلِي فِي عِبادِي قال : في طاعتي وَادْخُلِي جَنّتِي قال : في رحمتي .
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يوجّه معنى قوله : فادْخُلِي فِي عِبادي إلى : فادخلي في حزبي .
وكان بعض أهل العربية من أهل الكوفة يتأوّل ذلك يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ بالإيمان ، والمصدّقة بالثواب والبعث ارجعي ، تقول لهم الملائكة : إذا أُعطوا كتبهم بأيمانهم ارْجِعي إلى رَبّكِ إلى ما أعدّ الله لك من الثواب قال : وقد يكون أن تقول لهم شِبْه هذا القول : ينوون ارجعوا من الدنيا إلى هذا المرجع قال : وأنت تقول للرجل : ممن أنت ؟ فيقول : مُضَريّ ، فتقول : كن تميميا أو قيسيا ، أي أنت من أحد هذين ، فتكون كن صلة ، كذلك الرجوع يكون صلة ، لأنه قد صار إلى القيامة ، فكان الأمر بمعنى الخبر ، كأنه قال : أيتها النفس ، أنت راضية مرضية .
وقد رُوي عن بعض السلف أنه كان يقرأ ذلك : «فادْخُلِي فِي عَبْدِي ، وَادْخُلِي جَنّتِي » . ذكر من قال ذلك :
حدثني أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم بن سلام ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليمان بن قَتّةَ ، عن ابن عباس ، أنه قرأها : «فادْخُلِي فِي عَبْدِي » على التوحيد .
حدثني خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، عن هارون القاري ، قال : ثني هلال ، عن أبي الشيخ الهنائي : «فادْخُلِي فِي عَبْدِي » . وفي قول الكلبيّ : «فادْخُلِي فِي عَبْدِي ، وَادْخُلِي فِي جَنّتِي » يعني : الروح ترجع في الجسد .
والصواب من القراءة في ذلك فادخُلي في عِبادي بمعنى : فادخلي في عبادي الصالحين . لإجماع الحجة من القراء عليه .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : "ارْجِعي إلى رَبّكِ" اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : هذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن قيل الملائكة لنفس المؤمن عند البعث ، تأمرها أن ترجع في جسد صاحبها قالوا : وعُنِي بالردّ هاهنا صاحبها ... عن ابن عباس ، قوله : "يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ ارْجِعي إلى رَبّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيّةً" قال : تردّ الأرواح المطمئنة يوم القيامة في الأجساد ...
وقال آخرون : بل يقال ذلك لها عند الموت ...
وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن ابن عباس والضحاك ، أن ذلك إنما يقال لهم عند ردّ الأرواح في الأجساد يوم البعث لدلالة قوله : "فادْخُلِي فِي عِبادِي وادْخُلِي جَنّتِي" .
[قوله : "فادْخُلِي فِي عِبادِي وادْخُلِي جَنّتِي"] اختلف أهل التأويل في معنى ذلك؛
فقال بعضهم : معنى ذلك : فادخلي في عبادي الصالحين ، وادخلي جنتي ...
وقال آخرون : معنى ذلك : فادْخُلِي في طَاعَتِي وَادخُلِي جَنّتِي ...
{ فادخلي في عبادي } فذكر بفاء التعقيب ، ولما كانت الجنة الجسمانية لا يحصل الفوز بها إلا بعد قيام القيامة الكبرى ، لا جرم قال : { وادخلي جنتي } فذكره بالواو لا بالفاء ، والله سبحانه وتعالى أعلم . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
أي وهي جنة عدن وهي أعلى الجنان ...
تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين 1421 هـ :
أي جنته التي أعدها الله عز وجل لأوليائه ، أضافها الله إلى نفسه تشريفاً لها وتعظيماً ، وإعلاماً للخلق بعنايته بها جل وعلا ... وهذا يوجب للإنسان أن يرغب فيها غاية الرغبة ، كما أنه يرغب في بيوت الله التي هي المساجد ، لأن الله أضافها إلى نفسه ...