معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَأَتَتۡ بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُۥۖ قَالُواْ يَٰمَرۡيَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَيۡـٔٗا فَرِيّٗا} (27)

قوله تعالى : { فأتت به قومها تحمله } ، قيل : إنها ولدت ، ثم حملته في الحال إلى قومها . وقال الكلبي : حمل يوسف النجار مريم وابنها عيسى عليهما السلام إلى غار ، ومكثت أربعين يوماً حتى طهرت من نفاسها ، ثم حملته مريم عليها السلام إلى قومها . فكلمها عيسى عليه السلام في الطريق فقال : يا أماه أبشري فإني عبد الله ومسيحه ، فلما دخلت على أهلها ومعها الصبي بكوا وحزنوا ، وكانوا أهل بيت صالحين ، { قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً } ، عظيماً منكراً ، قال أبو عبيدة : كل أمر فائق من عجب أو عمل فهو فري . قال النبي صلى الله عليه وسلم في عمر : { فلم أر عبقرياً يفري فريه } أي : يعمل عمله .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَأَتَتۡ بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُۥۖ قَالُواْ يَٰمَرۡيَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَيۡـٔٗا فَرِيّٗا} (27)

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن مشهد آخر من مشاهد تلك القصة العجيبة ؛ مشهد مريم عندما جاءت بوليدها إلى قومها ، وما قالوه لها ، وما قاله وليدها لهم . .

استمع إلى القرآن الكريم وهو يحكى ذلك فيقول : { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا . . . } .

وقوله - سبحانه - : { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ . . . } معطوف على كلام محذوف يفهم من سياق القصة .

والتقدير : وبعد أن استمعت مريم إلى ما قاله ابنها عيسى - عليه السلام - اطمأنت نفسها ، وقرت عينها ، فأتت به أى بمولودها عيسى إلى قومها . وهى تحمله معها من المكان القصى الذى اعتزلت فيه قومها .

قال الآلوسى : أى : جاءتهم مع ولدها حاملة إياه ، على أن الباء للمصاحبة ، وجملة { تَحْمِلُهُ } فى موضع الحال من ضمير مريم . . . وكان هذا المجىء على ما أخرج سعيد بن منصور ، وابن عساكر عن ابن عباس بعد أربعين يوماً حين طهرت من نفاسها . . .

وظاهر الآية والأخبار " أنها جاءتهم به من غير طلب منهم . . " .

ثم حكى - سبحانه - ما قاله قومها عندما رأوها ومعها وليدها فقال : { يامريم لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } .

أى : قالوا لها على سبيل الإنكار : يا مريم لقد جئت أى فعلت شيئاً منكراً عجيباً فى بابه ، حيث أتيت بولد من غير زوج نعرفه لك .

والفَرِى : مأخوذ من فريت الجلد إذا قطعته ، أى : شيئاً قاطعاً وخارقاً للعادة ، ومرادهم : أنها أتت بولدها عن طريق غير شرعى ، كما قال - تعالى - فى آية أخرى : { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } ويدل على أن مرادهم هذا ، قولهم بعد ذلك : { يا أخت هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأَتَتۡ بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُۥۖ قَالُواْ يَٰمَرۡيَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَيۡـٔٗا فَرِيّٗا} (27)

16

( فأتت به قومها تحمله . . ! ) . . فلنشهد هذا المشهد المثير :

إننا لنتصور الدهشة التي تعلو وجوه القوم - ويبدو أنهم أهل بيتها الأقربون في نطاق ضيق محدود - وهم يرون ابنتهم الطاهرة العذراء الموهوبة للهيكل العابدة المنقطعة للعبادة . . يرونها تحمل طفلا !

( قالوا : يا مريم لقد جئت شيئا فريا . يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء ، وما كانت أمك بغيا ! )

إن ألسنتهم لتنطلق بالتقريع والتأنيب : ( يا مريم لقد جئت شيئا فريا )فظيعا مستنكرا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَأَتَتۡ بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُۥۖ قَالُواْ يَٰمَرۡيَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَيۡـٔٗا فَرِيّٗا} (27)

يقول تعالى مخبرًا عن مريم حين أمرت أن تصوم يومها ذلك ، وألا تكلم أحدًا من البشر فإنها{[18778]} ستكفى أمرها ويقام بحجتها{[18779]} فسلمت لأمر الله ، عز وجل ، واستسلمت لقضائه ، وأخذت ولدها { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ } فلما رأوها كذلك ، أعظموا أمرها واستنكروه جدًّا ، وقالوا : { يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا } أي : أمرًا عظيمًا . قاله مجاهد ، وقتادة والسدي ، وغير واحد .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي زياد ، حدثنا سَيَّار{[18780]} حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا أبو عمران الجَوْني ، عن نوف البِكَاليّ قال : وخرج قومها في طلبها ، وكانت من أهل بيت نبوة وشرف . فلم يحسوا{[18781]} منها شيئًا ، فرأوا{[18782]} راعي بقر فقالوا : رأيت فتاة كذا وكذا نَعْتُها ؟ قال : لا ولكني رأيت الليلة من بقري ما لم أره منها قط . قالوا : وما رأيت ؟ قال : رأيتها{[18783]} سُجَّدا نحو هذا الوادي . قال عبد الله بن أبي زياد : وأحفظ عن سيار أنه قال : رأيت نورًا ساطعًا . فتوجهوا حيث قال لهم ، فاستقبلتهم مريم ، فلما رأتهم قعدت وحملت ابنها في حجرها ، فجاءوا حتى قاموا عليها ، { قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا } أمرًا عظيمًا .


[18778]:في ف، أ: "فإنه".
[18779]:في ف: "وتقام حجتها".
[18780]:في ت: "سفيان"، وفي أ: "شيبان".
[18781]:في ت: "يحسبوا".
[18782]:في أ: "فلقوا".
[18783]:في ف، أ: "رأيتها الليلة".