اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأَتَتۡ بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُۥۖ قَالُواْ يَٰمَرۡيَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَيۡـٔٗا فَرِيّٗا} (27)

قوله تعالى : { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ } : " به " في محلِّ نصبٍ على الحال من فاعل " أتَتْ " ، [ أي : أتَتْ ] مصاحبة له ؛ نحو : جاء بثيابه ، أيك ملتبساً بها ، ويجوز أن تكون الباءُ متعلقة بالإتيان ، وأمَّا " تَحْملُه " فيجوز أن يكون حالاً ثانية من فاعل " أتَتْ " ويجوز أن يكون حالاً من الهاء في " به " وظاهر كلام أبي{[21563]} البقاء : أنَّها حالٌ من ضمير مريم وعيسى معاً ؛ وفيه نظرٌ .

قوله تعالى : { شَيْئاً } مفعولٌ به ، أي : فعلِت شيئاً ، أو مصدرٌ ، أي : نوعاً من المجيءِ غريباً{[21564]} ، والفَرِيُّ : العظيمُ من الأمر ؛ يقال في الخَيْر والشرِّ ، وقيل : الفَرِيُّ : العجيبُ ، وقيل : المُفْتَعَلُ ، ومن الأول ، الحديثُ في وصف عمر -رضي الله عنه- : " فَلَمْ أرَ عَبْقرِيًّا يَفْرِي فريَّهُ " والفَرِيُ : قطعُ الجلد للخَرْزِ والإصلاح ، والإفْرَاء : إفساده ، وفي المثل : جاء يَفْرِي الفَرِيَّ ، أي : يعمل العمل العظيم ؛ وقال : [ الكامل ]

فلأنْتَ تَفْرِي ما خَلقْتَ وبَعْ *** ضُ القَوْمِ يَخْلقُ يَخْلقُ ثُمَّ لا يَفْري{[21565]}

وقرأ أبو{[21566]} حيوة فيما نقل عنه ابنُ خالويه " فَرِيئاً " بالهمز ، وفيما نقل ابن عطية " فَرْياً " بسكون الراء .

وقرأ عمر بن لجأ{[21567]} " ما كَانَ أباَك امْرُؤ سَوْءٍ " جعل النكرة الاسم ، والمعرفة الخبر ؛ كقوله : [ الوافر ]

. . . *** يَكُونُ مِزاجَهَا عَسَلٌ ومَاءُ{[21568]}

وقوله : [ الوافر ]

. . . *** ولا يَكُ مَوْقفٌ مِنْكِ الوَداعَا{[21569]}

وهنا أحسنُ لوجودِ الإضافةِ في الاسم .

فصل في كيفية ولادة مريم وكلام عيسى لها ولقومه

قيل : إنَّها ولدته ثم حملته في الحال إلى قومها .

وقال ابنُ عباس ، والكلبيُّ : احتمل يوسفُ النَّجَّار مريم ، [ وابنها ]{[21570]} عيسى إلى غارٍ ، ومكثَ أربعين يوماً ؛ حتَّى طهرتْ من نفاسها ، ثم حملته مريمُ إلى قومها ، فكلَّمها عيسى في الطَّريق ؛ فقال : يا أمَّاه ، أبشري ؛ فإنِّي عبد الله ، ومسيحه ، فلما دخلت على أهلها ومعها الصَّبِيُّ ، بكَوْا ، وحَزِنُوا ، وكانُوا أهل بيت صالحين ؛ فقالوا { يا مريم لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } عظيماً مُكراً .

قال أبو عبيدة : كُلُّ أمرٍ فائق من عجب ، أو عملٍ ، فهو فَرِيٌّ ؛ وهذا منهم على وجه الذَّمِّ ، والتوبيخ ؛ لقولهم بعده : { يا أخت هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } .


[21563]:ينظر: الإملاء 1/113.
[21564]:في أ: فريا.
[21565]:تقدم.
[21566]:ينظر: الشواذ 84، والبحر المحيط 6/176، والدر المصون 4/503.
[21567]:ينظر: القرطبي 11/69، والبحر 6/176، والدر المصون 4/503.
[21568]:تقدم.
[21569]:تقدم.
[21570]:في ب: وولدها.