قوله تعالى : { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ } : " به " في محلِّ نصبٍ على الحال من فاعل " أتَتْ " ، [ أي : أتَتْ ] مصاحبة له ؛ نحو : جاء بثيابه ، أيك ملتبساً بها ، ويجوز أن تكون الباءُ متعلقة بالإتيان ، وأمَّا " تَحْملُه " فيجوز أن يكون حالاً ثانية من فاعل " أتَتْ " ويجوز أن يكون حالاً من الهاء في " به " وظاهر كلام أبي{[21563]} البقاء : أنَّها حالٌ من ضمير مريم وعيسى معاً ؛ وفيه نظرٌ .
قوله تعالى : { شَيْئاً } مفعولٌ به ، أي : فعلِت شيئاً ، أو مصدرٌ ، أي : نوعاً من المجيءِ غريباً{[21564]} ، والفَرِيُّ : العظيمُ من الأمر ؛ يقال في الخَيْر والشرِّ ، وقيل : الفَرِيُّ : العجيبُ ، وقيل : المُفْتَعَلُ ، ومن الأول ، الحديثُ في وصف عمر -رضي الله عنه- : " فَلَمْ أرَ عَبْقرِيًّا يَفْرِي فريَّهُ " والفَرِيُ : قطعُ الجلد للخَرْزِ والإصلاح ، والإفْرَاء : إفساده ، وفي المثل : جاء يَفْرِي الفَرِيَّ ، أي : يعمل العمل العظيم ؛ وقال : [ الكامل ]
فلأنْتَ تَفْرِي ما خَلقْتَ وبَعْ *** ضُ القَوْمِ يَخْلقُ يَخْلقُ ثُمَّ لا يَفْري{[21565]}
وقرأ أبو{[21566]} حيوة فيما نقل عنه ابنُ خالويه " فَرِيئاً " بالهمز ، وفيما نقل ابن عطية " فَرْياً " بسكون الراء .
وقرأ عمر بن لجأ{[21567]} " ما كَانَ أباَك امْرُؤ سَوْءٍ " جعل النكرة الاسم ، والمعرفة الخبر ؛ كقوله : [ الوافر ]
. . . *** يَكُونُ مِزاجَهَا عَسَلٌ ومَاءُ{[21568]}
. . . *** ولا يَكُ مَوْقفٌ مِنْكِ الوَداعَا{[21569]}
وهنا أحسنُ لوجودِ الإضافةِ في الاسم .
فصل في كيفية ولادة مريم وكلام عيسى لها ولقومه
قيل : إنَّها ولدته ثم حملته في الحال إلى قومها .
وقال ابنُ عباس ، والكلبيُّ : احتمل يوسفُ النَّجَّار مريم ، [ وابنها ]{[21570]} عيسى إلى غارٍ ، ومكثَ أربعين يوماً ؛ حتَّى طهرتْ من نفاسها ، ثم حملته مريمُ إلى قومها ، فكلَّمها عيسى في الطَّريق ؛ فقال : يا أمَّاه ، أبشري ؛ فإنِّي عبد الله ، ومسيحه ، فلما دخلت على أهلها ومعها الصَّبِيُّ ، بكَوْا ، وحَزِنُوا ، وكانُوا أهل بيت صالحين ؛ فقالوا { يا مريم لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } عظيماً مُكراً .
قال أبو عبيدة : كُلُّ أمرٍ فائق من عجب ، أو عملٍ ، فهو فَرِيٌّ ؛ وهذا منهم على وجه الذَّمِّ ، والتوبيخ ؛ لقولهم بعده : { يا أخت هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.