روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{فَأَتَتۡ بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُۥۖ قَالُواْ يَٰمَرۡيَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَيۡـٔٗا فَرِيّٗا} (27)

{ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ } أي جاءتهم مع ولدها حاملة إياه على أن الباء للمصاحبة ولو جعلت للتعدية صح أيضاً . والجملة في موضع الحال من ضمير مريم أو من ضمير ولدها . وكان هذا المجيء على ما أخرج سعيد بن منصور . وابن عساكر عن ابن عباس بعد أربعين يوماً حين طهرت من نفاسها قيل : إنها حنت إلى الوطن وعلمت أن ستكفي أمرها فأتت به فلما دخلت عليهم تباكوا ، وقيل : هموا يرجمها حتى تلكم عيسى عليه السلام . وجاء في رواية عن الحبر أنها لما انتبذت من أهلها وراء الجبل فقدوها من محرابها فسألوا يوسف عنها فقال : لا علم لي بها وإن مفتاح باب محرابها عند زكريا فطلبوا زكريا وفتحوا الباب فلم يجدوها فاتهموه فأخذوه ووبخوه فقال رجل : إني رأيتها في موضع كذا فخرجوا في طلبها فسمعوا صوت عقعق في رأس الجذع الذي هي من تحته فانطلقوا إليه فلما رأتهم قد أقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به ثم كان ما كان . فظاهر الآية والأخبار أنها جاءتهم به من غير طلب منهم ، وقيل : أرسلوا إليها لتحضري إلينا بولدك وكان الشيطان قد أخبرهم بولادتها فحضرت إليهم به فلما رأوهما { قَالُواْ يا مَرْيَم لَقَدْ جِئْتَ } فعلت { شَيْئاً فَرِيّاً } قال قتادة : عظيماً ، وقيل : عجيبا . وأصله من فرى الجلد قطعه على وجه الإصلاح أو الإفساد ، وقيل : من أفراه كذلك . واختير الأول لأن فعيلا إنما يصاغ قياساً من الثلاثي . وعدم التفرقة بينه وبين المزيد في المعنى هو الذي ذهب إليه صاحب القاموس .

وفي الصحاح عن الكسائي أن الفرى القطع على وجه الإصلاح والإفراء على وجه الإفساد . وعن الراغب مثل ذلك . وقيل الإفراء عام . وإياً ما كان فقد استعير الفرى لما ذكر في تفسيره . وفي البحر أنه يستعمل في العظيم من الأمر شراً أو خيراً قولاً أو فعلاً ، ومنه في وصف عمر رضي الله تعالى عنه فلم أر عبقرياً يفري فريه ، وفي المثل جاء يفري الفرى . ونصب { شَيْئاً } على أنه مفعول به . وقيل على أنه مفعول مطلق أي لقد جئت مجيئاً عجيباً ، وعبر عنه بالشيء تحقيقاً للاستغراب .

وقرأ أبو حيوة فيما نقل ابن عطية { فَرِيّاً } بسكون الراء وفيما نقل ابن خالويه { فرأ } بالهمزة .