وقوله - سبحانه - : { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظلموا . . } مقرر ومؤكد لما قبله من تدمير المفسدين وإهلاكهم .
أى : إن كنت - أيها المخاطب - تريد دليلا على تدميرهم جميعا ، فتلك هى بيوتهم خاوية وساقطة ومتهدمة على عروشها ، بسبب ظلمهم وكفرهم ومكرهم .
{ إِنَّ فِي ذلك } الذى فعلناه بهم من تدمير وإهلاك { لآيَةً } بينة ، وعبرة واضحة ، { لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أى : يتصفون بالعلم النافع الذى يتبعه العمل الصالح .
( فانظر كيف كان عاقبة مكرهم . أنا دمرناهم وقومهم أجمعين . فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ) . .
ومن لمحة إلى لمحة إذا التدمير والهلاك ، وإذا الدور الخاوية والبيوت الخالية . وقد كانوا منذ لحظة واحدة ، في الآية السابقة من السورة ، يدبرون ويمكرون ، ويحسبون أنهم قادرون على تحقيق ما يمكرون !
وهذه السرعة في عرض هذه الصفحة بعد هذه مقصودة في السياق . لتظهر المباغتة الحاسمة القاضية . مباغتة القدرة التي لا تغلب للمخدوعين بقوتهم ؛ ومباغتة التدبير الذي لا يخيب للماكرين المستعزين بمكرهم .
( إن في ذلك لآية لقوم يعلمون ) . . والعلم هو الذي عليه التركيز في السورة وتعقيباتها على القصص والأحداث
القول في تأويل قوله تعالى : { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوَاْ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنجَيْنَا الّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتّقُونَ } .
يعني تعالى ذكره بقوله : فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً فتلك مساكنهم خاوية خالية منهم ، ليس فيها منهم أحد ، قد أهلكهم الله فأبادهم بما ظلموا : يقول تعالى ذكره : بظلمهم أنفسهم ، بشركهم بالله ، وتكذيبهم رسولهم إنّ فِي ذلكَ لاَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ يقول تعالى ذكره : إن في فعلنا بثمود ما قصصنا عليك يا محمد من القصة ، لعظةً لمن يعلم فعلنا بهم ما فعلنا ، من قومك الذين يكذّبونك فيما جئتهم به من عند ربك وعبرة . وأنجَيْنا الّذِينَ آمَنُوا يقول : وأنجينا من نقمتنا وعذابنا الذي أحللناه بثمود رسولنا صالحا والمؤمنين به وكانُوا يَتّقُونَ يقول : وكانوا يتقون بإيمانهم ، وبتصديقهم صالحا الذي حلّ بقومهم من ثمود ما حلّ بهم من عذاب الله ، فكذلك ننجيك يا محمد وأتباعك ، عند إحلالنا عقوبتنا بمشركي قومك من بين أظهرهم .
وذُكر أن صالحا لما أحلّ الله بقومه ما أحلّ ، خرج هو والمؤمنون به إلى الشام ، فنزل رملة فلسطين .
وتفريع قوله : { فتلك بيوتهم خاوية } على جملة : { دمرناهم } لتفريع الإخبار . والإشارة منصرفة إلى معلوم غير مشاهد لأن تحققه يقوم مقام حضوره فإن ديار ثمود معلومة لجميع قريش وهي في طريقهم في ممرّهم إلى الشام .
وانتصب { خاوية } على الحال . وعاملها ما في اسم الإشارة من معنى الفعل كقوله تعالى : { وهذا بعْلِي شيخاً } وقد تقدم في سورة هود ( 72 ) .
والخاوية : الخالية ، ومصدره الخَواء ، أي فالبيوت باق بعضها في الجبال لا ساكن بها .
والباء في بما ظلموا } للسببية ، و ( ما ) مصدرية ، أي كان خَواؤها بسبب ظلمهم . والظلم : الشرك وتكذيب رسولهم ، فذلك ظلم في جانب الله لأنه اعتداء على حق وحدانيته ، وظلم للرسول بتكذيبه وهو الصادق .
ولما خص الله عملهم بوصف الظلم من بين عدة أحوال يشتمل عليها كفرهم كالفساد كان ذلك إشارة إلى أن للظلم أثراً في خراب بلادهم .
وهذا معنى ما روي عن ابن عباس أنه قال : أجد في كتاب الله أن الظلم يخرّب البيوت وتلا : { فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا } . وهذا من أسلوب أخذ كل ما يُحتمل من معاني الكلام في القرآن كما ذكرناه في المقدمة التاسعة من مقدمات هذا التفسير .
ونزيده هنا ما لم يسبق لنا في نظائره ، وهو أن الحقائق العقلية لما كان قوام ماهياتها حاصلاً في الوجود الذهني كان بين كثير منها انتساب وتقارب يُردّ بعضها إلى بعض باختلاف الاعتبار . فالشرك مثلاً حقيقة معروفة يكون بها جنساً عقلياً وهو بالنظر إلى ما يبعث عليه وما ينشأ عنه ينتسب إلى حقائق أخرى مثل الظلم ، أي الاعتداء على الناس بأخذ حقوقهم فإنه من أسبابه ، ومثل الفسق فإنه من آثاره ، وكذلك التكذيب فإنه من آثاره أيضاً : { وذرني والمكذبين } [ المزمل : 11 ] ، ومثل الكبر ومثل الإسراف فإنهما من آثاره أيضاً . فمن أساليب القرآن أن يعبر عن الشرك بألفاظ هذه الحقائق للإشارة إلى أنه جامع عدة فظائع ، وللتنبيه على انتسابه إلى هذه الأجناس ، وليعلم المؤمنون فساد هذه الحقائق من حيث هي فيعبر عنه هنا بالظلم وهو كثير ليعلم السامع أن جنس الظلم قبيح مذموم ، ناهيك أن الشرك من أنواعه . وكذلك قوله : { إن الله لا يهدي من هو مُسرف كذّاب } [ غافر : 28 ] أي هو متأصل في الشرك وإلا فإن الله هدى كثيراً من المسرفين والكاذبين بالتوبة ، ومن قوله : { أليس في جهنم مثوى للمتكبرين } [ الزمر : 60 ] ونحو ذلك .
وجملة : { إن في ذلك لآية } معترضة بين الجمل المتعاطفة . والإشارة إلى ما ذكر من عاقبة مكرهم . والآية : الدليل على انتصار الله لرسله .
واللام في { لقوم يعلمون } لام التعليل يعني آية لأجلهم ، أي لأجل إيمانهم . وفيه تعريض بأن المشركين الذين سبقت إليهم هذه الموعظة إن لم يتعظوا بها فهم قوم لا يعلمون .
وفي ذكر كلمة ( قوم ) إيماء إلى أن من يعتبر بهذه الآية متمكن في العقل حتى كان العقل من صفته القومية ، كما تقدم في قوله تعالى : { لآيات لقوم يعقلون } في سورة البقرة ( 164 ) .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فتلك بيوتهم خاوية} يعني: خربة ليس بها سكان، {بما ظلموا} يعني: بما أشركوا {إن في ذلك لآية} يعني: أن في هلاكهم لعبرة {لقوم يعلمون}، بتوحيد الله عز وجل.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني تعالى ذكره بقوله:"فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً" فتلك مساكنهم خاوية خالية منهم، ليس فيها منهم أحد، قد أهلكهم الله فأبادهم "بما ظلموا": يقول تعالى ذكره: بظلمهم أنفسهم، بشركهم بالله، وتكذيبهم رسولهم.
"إنّ فِي ذلكَ لأية لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ "يقول تعالى ذكره: إن في فعلنا بثمود ما قصصنا عليك يا محمد من القصة، لعظةً لمن يعلم فعلنا بهم ما فعلنا، من قومك الذين يكذّبونك فيما جئتهم به من عند ربك وعبرة.
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
{فتلك بيوتهم} مساكنهم {خاوية} ساقطة خالية {بما ظلموا} بكفرهم بالله سبحانه.
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
{إن في ذلك لآية} لعبرة، {لقوم يعلمون} قدرتنا.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
وخراب البيوت وخلوها من أهلها، حتى لا يبقى منهم أحد مما يعاقب به الظلمة، إذ يدل ذلك على استئصالهم... {إن في ذلك}: أي في فعلنا بثمود، وهو استئصالنا لهم بالتدمير، وخلاء مساكنهم منهم، وبيوتهم هي بوادي القرى بين المدينة والشام.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فتلك} أي المبعدة بالغضب على أهلها {بيوتهم} أي ثمود كلهم {خاوية} أي خالية، متهدمة بالية، مع شدة أركانها، وإحكام بنيانها، فسبحان الفعال لما يريد، القادر على الضعيف كقدرته على الشديد.. ولما ذكر الهلاك، أتبعه سببه في قوله: {بما ظلموا} أي أوقعوا من الأمور في غير مواقعها فعل الماشي في الظلام، كما عبدوا من الأوثان، ما يستحق الهوان، ولا يستحق شيئاً من التعظيم بوجه، معرضين عمن لا عظيم عندهم غيره عند الإقسام..ثم زاد في التهويل بقوله: {إن في ذلك} أي الأمر الباهر للعقول الذي فعل بثمود {لآية} أي عظيمة، ولكنها {لقوم يعلمون} أي لهم علم. وأما من لا ينتفع بها نادى على نفسه بأنه في عداد البهائم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 51]
(فانظر كيف كان عاقبة مكرهم. أنا دمرناهم وقومهم أجمعين. فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا)..
ومن لمحة إلى لمحة إذا التدمير والهلاك، وإذا الدور الخاوية والبيوت الخالية. وقد كانوا منذ لحظة واحدة، في الآية السابقة من السورة، يدبرون ويمكرون، ويحسبون أنهم قادرون على تحقيق ما يمكرون!
وهذه السرعة في عرض هذه الصفحة بعد هذه مقصودة في السياق. لتظهر المباغتة الحاسمة القاضية. مباغتة القدرة التي لا تغلب للمخدوعين بقوتهم؛ ومباغتة التدبير الذي لا يخيب للماكرين المستعزين بمكرهم.
(إن في ذلك لآية لقوم يعلمون).. والعلم هو الذي عليه التركيز في السورة وتعقيباتها على القصص والأحداث.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
ولقد استغلظت قريش في معاملتها للمؤمنين الذين كانوا الخلية الأولى للإيمان، واستهانوا بهم، وحسبوا أنفسهم الأقوياء على الرسول، وهذا الذي فعله سبحانه مع ثمود آية لهم دالة على أن هلاكهم يسير إذا أراد الله، ولذا قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}، أي لآية دالة، ما يعقب الكفر والاعتداء لقوم يعقلون، وهذا دعوة لقريش ليعقلوا ويتدبروا عاقبة أمرهم.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُواْ} أنفسهم بالكفر والتمرد، وبما ظلموا الناس من الوقوف في الطريق أمامهم ليحولوا بينهم وبين السير في طريق الهدى في خط الرسالة والرسول، وذلك هو حكم الله على عباده المتمردين الذين يرفضون الانسجام مع تعاليمه وأوامره ونواهيه، ويحاربونه في رسالاته ورسله..
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري 1439 هـ :
من الهداية: -تقرير أن ديار الظالمين مآلها الخراب فالظلم يذر الديار بلاقع.