قوله تعالى : { وإخوانهم يمدونهم } ، يعني إخوان الشياطين من المشركين { يمدونهم } أي : يمدهم الشيطان . قال الكلبي : لكل كافر أخ من الشياطين .
قوله تعالى : { في الغي } ، أي : يطلبون هم الإغواء حتى يستمروا عليه ، وقيل : يزيدونهم في الضلالة ، وقرأ أهل المدينة : { يمدونهم } بضم الياء وكسر الميم من الإمداد ، والآخرون : بفتح الياء وضم الميم ، وهما لغتان بمعنى واحد .
قوله تعالى : { ثم لا يقصرون } ، أي : لا يكفون ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات ، ولا الشياطين يمسكون عنهم ، فعلى هذا قوله : { ثم لا يقصرون } من فعل المشركين والشياطين جميعاً . قال الضحاك ومقاتل : يعني المشركين ، لا يقصرون عن الضلالة ولا يبصرونها ، بخلاف ما قال في المؤمنين : { تذكروا فإذا هم مبصرون } .
أما الذين لم يتقوا الله ، ولم يلجأوا إلى حماه ، ولم يخالفوا الشيطان فقد عبر عنهم القرآن بقوله : { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغي ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } .
يمدونهم من المد ، وهو الزيادة يقال : مده يمده أى : زاده . والغى : الضلال ، مصدر غوى يغوى غيا وغواية .
أى : وإخوان الشياطين من المشركين والغافلين تزيدهم الشياطين من الضلال عن طريق الوسوسة والإغراء بأرتكاب المعاصى والموبقات { ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } أى : ثم لا يكف هؤلاء الشياطين عن إمداد أوليائهم من الإنس بألوان الشرور والآثام حتى يهلكوهم . ويجوز أن يعود الضمير لإخوانهم : أى ثم لا يكف هؤلاء الناس عن الغى والضلال مهما وعظهم الواعظون وأرشدهم المرشدون .
و { يُقْصِرُونَ } من أقصر عن الشىء إذا كف عنه ونزع مع القدرة عليه .
ذلك شأن المتقين : ( إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) . . جاء بيان هذا الشأن معترضاً بين أمر الله سبحانه بالإعراض عن الجاهلين ؛ وبيان ماذا ومن ذا وراء هؤلاء الجاهلين ، يدفعهم إلى الجهل والحمق والسفه الذي يزاولون . . فلما انتهى التعقيب عاد السياق يحدث عن الجاهلين :
( وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون . وإذا لم تأتهم بآية قالوا : لولا اجتبيتها . قل : إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي ، هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )
وإخوانهم الذين يمدونهم في الغي هم شياطين الجن . . وقد يكونون هم شياطين الإنس أيضاً . . إنهم يزيدون لهم في الضلال ، لا يكلون ولا يسأمون ولا يسكتون ! وهم من ثم يحمقون ويجهلون ! ويظلون فيما هم فيه سادرين .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدّونَهُمْ فِي الْغَيّ ثُمّ لاَ يُقْصِرُونَ } . .
يقول تعالى ذكره : وإخوان الشياطين تمدّهم الشياطين في الغيّ . يعني بقوله : يمُدّونَهُمْ يزيدونهم . ثُمّ لا يُقْصِرُونَ عما قصر عنه الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان . وإنما هذا خبر من الله عن فريقي الإيمان والكفر ، بأن فريق الإيمان وأهل تقوى الله إذا استزلهم الشيطان تذكروا عظمة الله وعقابه ، فكفتهم رهبته عن معاصيه وردتهم إلى التوبة والإنابة إلى الله مما كان منهم من زلة ، وأن فريق الكافرين يزيدهم الشيطان غيّا إلى غيهم إذا ركبوا معصية من معاصي الله ، ولا يحجزُهم تقوى الله ولا خوف المعاد إليه عن التمادي فيها والزيادة منها ، فهو أبدا في زيادة من ركوب الإثم ، والشيطان يزيده أبدا ، لا يُقصر الإنسيّ عن شيء من ركوب الفواحش ولا الشيطان من مدّه منه . كما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : وإخْوَانُهُمْ يَمُدّونَهُمْ فِي الغَيّ ثُمّ لا يُقْصِرُونَ قال : لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات ، ولا الشياطين تمسك عنهم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وإخْوَانُهُمْ يَمُدّونَهُمْ فِي الغَيّ ثُم لا يُقْصِرُونَ يقول : هم الجنّ يوحون إلى أوليائهم من الإنس ، ثم لا يقصرون ، يقول : لا يسأمون .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وإخْوَانُهُمْ يَمُدّونَهُمْ فِي الغَيّ إخوان الشياطين من المشركين ، يمدّهم الشيطان في الغيّ . ثُمّ لا يُقْصِرُونَ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال عبد الله بن كثير : وإخوانهم من الجنّ ، يمدّون إخوانهم من الإنس ، ثم لا يقصرون ، ثم يقول لا يقصر الإنسانُ . قال : والمدّ الزيادة ، يعني : أهل الشرك ، يقول : لا يقصر أهل الشرك ، كما يقصر الذين اتقوا لأنهم لا يحجزهم الإيمان . قال ابن جريج ، قال مجاهد وإخْوَانُهُمْ من الشياطين يَمُدّونَهُمْ فِي الغَيّ ثُمّ لا يُقْصِرُونَ استجهالاً يمدّون أهل الشرك . قال ابن جريج : وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنّمَ كَثِيرا مِنَ الجِنّ وَالإنْسِ قال : فهؤلاء الإنس . يقول الله : وَإخْوَانُهُمْ يَمُدّونَهُمْ فِي الغَيّ .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثني محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وإخْوَانُهُمْ يَمُدّونَهُمْ فِي الغَيّ ثُمّ لا يُقْصِرُونَ قال : إخوان الشياطين يمدّهم الشياطين في الغيّ ثم لا يقصرون .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وإخْوَانُهُمْ من الشياطين . يَمُدّونَهُمْ فِي الغَيّ استجهالاً .
وكان بعضهم يتأوّل قوله : ثُمّ لا يُقْصِرُونَ بمعنى : ولا الشياطين يُقْصِرون في مدّهم إخوانهم من الغيّ . ذكر من قال ذلك .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وإخْوَانُهُمْ يَمُدّونَهُمْ فِي الغَيّ ثُمّ لا يُقْصِرُونَ عنهم ، ولا يرحمونهم .
قال أبو جعفر : وقد بيّنا أولى التأويلين عندنا بالصواب ، وإنما اخترنا ما اخترنا من القول في ذلك على ما بيّناه لأن الله وصف في الاَية قبلها أهل الإيمان به وارتداعهم عن معصيته وما يكرهه إلى محبته عند تذكرهم عظمته ، ثم أتبع ذلك الخبر عن إخوان الشياطين وركوبهم معاصيه ، وكان الأولى وصفهم بتماديهم فيها ، إذ كان عقيب الخبر عن تقصير المؤمنين عنها .
وأما قوله : يَمُدّونَهُمْ فإن القرّاء اختلفت في قراءته ، فقرأه بعض المدنيين : «يُمِدّونَهُمْ » بضم الياء من أمددت . وقرأته عامة قرّاء الكوفيين والبصريين : يَمُدّونَهُمْ بفتح الياء من مددت .
قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا : يَمُدّونَهُمْ بفتح الياء ، لأن الذي يمدّ الشياطينُ إخوانهم من المشركين إنما هو زيادة من جنس الممدود ، وإذا كان الذي مدّ من جنس الممدود كان كلام العرب مددت لا أمددت .
وأما قوله : يُقْصِرُونَ فإن القرّاء على لغة من قال : أَقْصرت أُقصِر ، وللعرب فيه لغتان : قَصَرْت عن الشيء ، وأقْصَرْت عنه .
{ وإخوانهم يمدّونهم } أي وإخوان الشياطين الذين لم يتقوا بمدهم الشياطين . { في الغيّ } بالتزيين والحمل عليه ، وقرئ { يمدونهم } من أمد ويمادونهم كأنهم يعينونهم بالتسهيل والإغراء وهؤلاء يعينونهم بالتباع والامتثال . { ثم لا يُقصِرون } ثم لا يمسكون عن إغوائهم حتى يردوهم ، ويجوز أن يكون الضمير للإخوان أي لا يكفون عن الغي ولا يقصرون كالمتقين ، ويجوز أن يراد بال { إخوان } الشياطين ويرجع الضمير إلى { الجاهلين } فيكون الخبر جاريا على ما هو له .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.