الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِخۡوَٰنُهُمۡ يَمُدُّونَهُمۡ فِي ٱلۡغَيِّ ثُمَّ لَا يُقۡصِرُونَ} (202)

ثم قال تعالى : { وإخوانهم يمدونهم في الغي }[ 202 ] .

أي : وإخوان الشياطين{[26578]} تمدهم{[26579]} الشياطين في الغي{[26580]} .

{ ثم لا يقصرون }[ 202 ] .

أي : لا يقصرون عما أقصر عنه الذين اتقوا { إذا مسهم طائف من الشيطان }{[26581]} .

وهذا خبر من الله ( عز وجل ){[26582]} عن حال المؤمنين وحال الكفار ، أن المؤمن إذا أصاب الذنب تذكر العقوبة فتاب ورجع وأبصر{[26583]} رشده ، والكافر يمد له{[26584]} إخوانه من الشياطين في الغي ، ثم لا يقصر عن غيه{[26585]} ، ولا يرجع كما فعل المؤمن{[26586]} .

و " المد " : الزيادة{[26587]} ، ف " الهاء " و " الميم " في : { وإخوانهم } تعود على الشياطين . ودل " الشيطان " في قوله { طائف من الشيطان } على الشياطين . و " الإخوان " كناية عن الكفار{[26588]} .

والضمير المرفوع في : " يُمِدُّون " يعود على " الشياطين " .

و " الهاء " و " الميم " في { يمدونهم } تعود على " الكفار " ، وهو الإخوان{[26589]} .

وقيل المعنى : ثم لا يقصر الشياطين في مدهم في الغي{[26590]} للكفار . قاله : قتادة .

وقال{[26591]} : { لا يقصرون } عنهم ولا يرحمونهم{[26592]}/ فالضمير في { يقصرون } للشياطين . وعلى القول الأول للمشركين ، وهو الأكثر .

و " الغي " : الجهل والوقوع في الهلكة{[26593]} .

وهذا الكلام عند أبي إسحاق مُقدم متصل في النية بقوله : { ولا أنفسهم ينصرون{[26594]} }[ 197 ] .

ثم قال : { وإخوانهم } ، أي : وإخوانهم{[26595]} يعني : الشياطين ، { يمدونهم } ، يعني : الكفار{[26596]} .

يقال : " قصَّر " عن الشيء و " أقصر " {[26597]} .

وقد أنكر أبو حاتم وأبو عبيد{[26598]} قراءة نافع ، ب " ضم الياء " في : { يمدونهم }{[26599]} ، وهي مشهورة{[26600]} .

حكى المبرد{[26601]} : " مددت له في كذا " : " زينته له ، واستدعيته{[26602]} أن يفعله ، و " أمددته في كذا " أي : أعنته{[26603]} برأيي وغير ذلك{[26604]} .

وحكى غير المبرد : " مدَّه{[26605]} " و " أمده " بمعنى{[26606]} .

وقيل { في الغي } : متعلق ب " الإخوان " {[26607]} ، التقدير : وإخوانهم في الغي يمدونهم ، والأول{[26608]} أحسن ، كما قال : { ويمدهم في طغيانهم{[26609]} }{[26610]} .


[26578]:في الأصل: الشيطان.
[26579]:في الأصل: يمدهم.
[26580]:جامع البيان 13/337. ومن: أي، إلى: الغي، ساقط من "ج".
[26581]:جامع البيان 13/337، 338.
[26582]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26583]:في "ج": فأبصر.
[26584]:في "ج": بمنزلة، وفوقها صاد صغيرة، وفي الهامش يمد له، وفوقها كلمة صح.
[26585]:في "ج": عنه.
[26586]:انظر: جامع البيان 13/338.
[26587]:وهو قول عبد الله بن كثير، كما في جامع البيان 13/339.
[26588]:انظر: إعراب القرآن للنحاس 2/171، 172، والمحرر الوجيز 2/492، وزاد المسير 3/310، والبحر المحيط 4/446، والدر المصون 3/389.
[26589]:المصادر نفسها.
[26590]:في "ج": في مدهم الغي.
[26591]:في "ج": قال.
[26592]:جامع البيان 13/339.
[26593]:معاني القرآن للزجاج 2/397، وتحرفت فيه: الهلكة، إلى: الحركة.
[26594]:انظر: معاني القرآن 2/397. وفي إعراب القرآن للنحاس 2/172: "قال أبو إسحاق: في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: لا يستطيعون لهم نصرا {ولا أنفسهم ينصرون} {وإخوانهم يمدونهم في الغي}. وتعقبه أبو حيان في البحر 4/447.
[26595]:كذا في المخطوطات الثلاث.
[26596]:ما ذهب إليه مكي هاهنا فيعود الضميرين هو قول الجمهور. انظر: المحرر الوجيز 2/492، والدر المصون 3/389.
[26597]:في معاني القرآن للزجاج: "يقال أقصر ُيقصِر، وقصَّر يُقَصِّر" انظر: زاد المسير 3/311.
[26598]:في الأصل، و"ج": أبو عبيدة، وهو تحريف. وهو: القاسم بن سلام الخرساني الأنصاري مولاهم، البغدادي..." له تصانيف في القراءات والحديث والفقه واللغة والشعر...، توفي سنة 224هـ. انظر: معرفة القراء الكبار 1/170، وغاية النهاية 2/17.
[26599]:في إعراب القرآن للنحاس 2/172، "...، وجماعة من أهل اللغة ينكرون هذه القراءة منهم: أبو حاتم، وأبو عبيد".
[26600]:قال في الكشف 1/487، 488"...، وقرأه نافع بـ: "ضم الياء وكسر الميم"، وقرأ الباقون بـ: "فتح الباء وضم الميم"، وهما لغتان: مدَّ وأمدَّ ومدَّ أكثر، بغير ألف، يقال: مددت في الشر، وأمددت في الخير،...، فهذا يدل على قوة الفتح في هذا الحرف؛ لأنه في الشر...وفتح الياء الاختيار لما ذكرنا أن "مددت" أكثر، وأنه يستعمل في الشر، والغي هو الشر؛ ولأن الجماعة عليه". انظر: زاد المسير 3/310. ويراجع موقف أبي حاتم السجستاني وأبي عبيد من القراءات المشهورة في القراءات الشاذة وتوجيهها النحوي 138، و140.
[26601]:في إعراب القرآن للنحاس 2/172،: "وحكي عن محمد بن يزيد أنه احتج لقراءة أهل المدينة، قال: "يقال مددت له في كذا...".
[26602]:في الأصل، و"ر": واسترعيته، براء مهملة.
[26603]:في "ر": أعلته.
[26604]:إعراب القرآن للنحاس 2/172، بلفظ: برأي أو غير ذلك.
[26605]:في الأصل: مدة، وهو تصحيف.
[26606]:انظر: الكشف 1/487. قال ابن عطية في المحرر الوجيز، 2/493: "...وقال الجمهور: هما بمعنى واحد إلا أن المستعمل في المحبوب: أمدَّ...، والمستعمل في المكروه: مد،...، فمن قرأ في هذه الآية (يمُدُّونهم} [بضم الميم]، فهو على المنهاج المستعمل. ومن قرأ (يمدونهم) [بضم الياء وكسر الميم، فهو مقيد بقوله: {في الغي}، كما يجوز أن تقيد "البشارة" فتقول: بشرته بشر". وفي زاد المسير 3/310: "...، إلا أن وجه قراءة نافع بمنزلة {فبشرهم بعذاب أليم}، التوبة: 34".
[26607]:لمزيد من الإيضاح انظر: المحرر الوجيز 2/492، 493، والبحر المحيط 4/446، 447، والدر المصون 3/389، 390.
[26608]:أي: أن يتعلق بقوله: {ويمدهم}. انظر: المحرر الوجيز 2/492.
[26609]:البقرة آية 14، وتمامها: {يعمهون}.
[26610]:{في طغيانهم} يتعلق بـ:{ويمدهم} انظر: الدر المصون 1/125.