مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِخۡوَٰنُهُمۡ يَمُدُّونَهُمۡ فِي ٱلۡغَيِّ ثُمَّ لَا يُقۡصِرُونَ} (202)

أما قوله تعالى : { وإخوانهم يمدونهم في الغي } ففيه مسائل :

المسألة الأولى : اختلفوا في أن الكناية في قوله : { وإخوانهم } إلى ماذا تعود على قولين .

القول الأول : وهو الأظهر أن المعنى : وإخوان الشياطين يمدون الشياطين في الغي ، وذلك لأن شياطين الإنس إخوان لشياطين الجن ، فشياطين الإنس يغوون الناس ، فيكون ذلك إمدادا منهم لشياطين الجن على الإغواء والإضلال .

والقول الثاني : أن إخوان الشياطين هم الناس الذين ليسوا بمتقين ، فإن الشياطين يكونون مددا لهم فيه ، والقولان مبنيان على أن لكل كافر أخا من الشياطين .

المسألة الثانية : تفسير الإمداد تقوية تلك الوسوسة والإقامة عليها وشغل النفس عن الوقوف على قبائحها ومعيبها .

المسألة الثالثة : قرأ نافع { يمدونهم } بضم الياء وكسر الميم من الإمداد ، والباقون { يمدونهم } بفتح الياء وضم الميم ، وهما لغتان مد يمد وأمد يمد ، وقيل مد معناه جذب ، وأمد معناه من الإمداد . قال الواحدي ، عامة ما جاء في التنزيل مما يحمد ويستحب أمددت على أفعلت ، كقوله : { أنما نمدهم به من مال وبنين } وقوله { وأمددناهم بفاكهة } وقوله : { أتمدونن بمال } وما كان بخلافه فإنه يجيء على مددت قال : { ويمدهم في طغيانهم يعمهون } فالوجه ههنا قراءة العامة وهي فتح الياء ومن ضم الياء استعمل ما هو الخير لضده كقوله : { فبشرهم بعذاب أليم } وقوله : { ثم لا يقصرون } قال الليث : الإقصار الكف عن الشيء قال أبو زيد : أقصر فلان عن الشر يقصر إقصارا إذا كف عنه وانتهى قال ابن عباس : ثم لا يقصرون عن الضلال والإضلال ، أما الغاوي ففي الضلال وأما المغوي ففي الإضلال .