معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَخَذۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (130)

قوله تعالى : { ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين } ، أي بالجدب والقحط ، تقول العرب : مستهم السنة ، أي : جدب السنة ، وقيل : أراد بالسنين القحط سنة بعد سنة .

قوله تعالى : { ونقص من الثمرات } ، والغلات ، بالآفات والعاهات ، وقال قتادة : أما السنون فلأهل البوادي ، وأما نقص الثمرات فلأهل الأمصار .

قوله تعالى : { لعلهم يذكرون } ، أي : يتعظون ذلك ، لأن الشدة ترقق القلوب وترغبها فيما عند الله عز وجل .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَخَذۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (130)

ثم تمضى السورة الكريمة بعد ذلك فتحدثنا في بضع آيات عن العذاب الذي أخذ الله به آل فرعون بسبب ظلمهم وطغيانهم ، وكيف أن الله - تعالى - قد حقق لموسى رجاءه ، وكيف أن أولئك الظالمين لمن يمنعهم العذاب الذي نزل بهم من ارتكاب المنكرات والآثام .

تدبر معنا أيها القارىء الكريم تلك الآيات الكريمة التي تحكى كل ذلك وغيره بأسلوبها البليغ المؤثر .

قال القرطبى : قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بالسنين } يعنى الجدب ، وهذا معروف في اللغة ، يقال : أصابتهم سنة ، أى : جدب . وتقديره : جدب سنة ، وفى الحديث " اللهم اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف " والسنة هنا بمعنى الجدب لا بمعنى الحول . ومنه أسنت القوم ، أى أجدبوا وقحطوا .

وقال الآلوسى : هذا شروع في تفصيل مبادئ الهلاك الموعود به ، وإيذان بأنهم لم يمهلوا حتى تحولوا من حال إلى حال إلى أن حل بهم عذاب الاستئصال .

والمعنى : ولقد أخذنا آل فرعون أى : اختبرناهم وامتحناهم بالجدب والقحط ، وضيق المعيشة ، وانتقاص الثمرات لعلهم يثوبون إلى رشدهم ؛ ويتذكرون ضعفهم أمام قوة خالقهم ، ويرجعون عما هم فيه من الكفر والعصيان ، فإن الشدائد من شأنها أن ترقق القلوب ، وتصفى النفوس ، وترغب في الضراعة إلى الله ، وتدعو إلى اليقظة والتفكير ومحاسبة النفس على الخطايا اتقاء للبلاء .

وصدرت الآية الكريمة بالقسم ، لاظهار الاعتناء بمضمونها .

والمراد بآل فرعون قومه وأتباعه ، فهم مؤاخذون بظلمه وطغيانه ، لأن قوته المالية والجندية منهم ، وقد خلقهم الله أحراراً ؛ وأكرمهم بالعقل والفطرة التي تكره الظلم والطغيان بالغريزة فكان حقا عليهم ألا يقبلوا استعباده لهم وجعلهم آلة لطغيانه ، لا سيما بعد بعثة موسى - عليه السلام - ووصول دعوته إليهم ، ورؤيتهم لما أيده الله به من الآيات .

وإضافة الآل إليه وهو لا يضاف إلا إلى الأشراف ، لما فيه من الشرف الدنيوى الظاهر ، وإن كان في نفس الأمر خسيسا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَخَذۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (130)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِالسّنِينَ وَنَقْصٍ مّن الثّمَرَاتِ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : ولقد اختبرنا قوم فرعون وأتباعه على ما هم عليه من الضلالة بالسنّين ، يقول : بالجدوب سنة بعد سنة والقحوط . يقال منه : أسْنَتَ القوم : إذا أجدبوا . وَنَقْصٍ مِنَ الثّمراتِ يقول : واختبرناهم مع الجدوب بذهاب ثمارهم وغلاتهم إلا القليل . لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ يقول : عظة لهم وتذكيرا لهم ، لينزجروا عن ضلالتهم ويفزعوا إلى ربهم بالتوبة .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله : وَلَقَدْ أخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بالسّنِينَ قال : سني الجوع .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : بالسّنِينَ الجائحة . وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ دون ذلك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني القاسم بن دينار ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن شيبان ، عن أبي إسحاق ، عن رجاء بن حيوة في قوله : وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ قال : حيث لا تحمل النخلة إلا تمرة واحدة .

حدثني ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن رجاء بن حيوة ، عن كعب قال : يأتي على الناس زمان لا تحمل النخلة إلا تمرة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن رجاء بن حيوة : وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ قال : يأتي على الناس زمان لا تحمل النخلة إلا تمرة .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَقَدْ أخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بالسّنِينَ : أخذهم الله بالسنين بالجوع عاما فعاما . وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ فأما السنين فكان ذلك في باديتهم وأهل مواشيهم ، وأما بنقص من الثمرات فكان ذلك في أمصارهم وقراهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَخَذۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (130)

وقوله : { ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين } الآية خبر أنه أخذ آل فرعون في تلك المدة التي كان موسى يدعوهم فيها بالسنين وهو الجدوب والقحوط ، وهذه سيرة الله في الأمم ، وكذلك فعل بقريش . والَّسنة في كلام العرب : القحط ومنه قول ليلى :«والناس مسنتون » ، وسنة وِعَضة وما جرى مجراها من الأسماء المنقوصة تجمع بالواو والنون ليس على جهة جمع السلامة لكن على جهة العوض مما نقص ، وكذلك أرض توهموا فيها نقص هاء التأنيث لأنه كان حقها أن تكون أرضه ، وأما حرة وإحرون فلأن التضعيف أبداً . يعتل فتوهموه مثل النقص ، وكسر السين من سنون وسنين وزيادة الألف في أحرين دليل على أنه ليس بجمع سلامة .

وقوله تعالى : { ونقص من الثمرات } روي أن النخلة كانت لا تحمل إلا ثمرة واحدة ، وقال نحوه رجاء بن حيوة ، وأراد الله عز وجل أن ينيبوا ويزدجروا عما هم عليه من الكفر ، إذ أحوال الشدة ترق القلوب وترغب فيما عند الله .