لما قال موسى لقومه : { عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ } بدأ بذكر ما أنزل بفرعون وقومه من المِحَنِ حالاً بعد حال ، إلى أن وصل الأمرُ إلى الهلاكِ تنبيهاً للمكلَّفين على الزَّجْرِ عن الكفر .
" والسِّنينَ " : جمعُ سنة ، وفيها لغتان أشهرهما : إجْرَاؤُهُ مُجرَى المُذكر السَّالم فيُرفع بالواو ويُنْصَبُ ويُجَرُّ بالياء ، وتُحْذَفُ نُونُه للإضافة .
قال النُّحَاةُ : إنَّمَا جرى ذلك المجرى جَبْراً لما فاته من لامه المحذوفةِ ، وسيأتي في لامه كلامٌ ، واللغة الثانيةُ : أن يُجْعَلَ الإعرابُ على النُّون ولكن مع الياء خاصَّةً . نقل هذه اللُّغة أبُو زيد والفراءُ . ثم لك فيها لغتان : إحداهما : ثبوتُ تنوينها . والثانية : عدمهُ .
قال الفرَّاءُ : هي في هذه اللُّغة مصروفة عند بني عامر ، وغير مصروفة عند بني تميم ، ووجه حذف التنوين التَّخفيف ، وحينئذ لا تُحْذَفُ النُّون للإضافة وعلى ذلك جاء قوله : [ الطويل ]
دَعَانِيَ مِنْ نَجْدٍ فإنَّ سِنِينَهُ *** لَعْبِنَ بِنَا شيباً وشَيِّبْنَنَا مُرْدَا{[16717]}
وجاء في الحديث : " اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عليهم سنينَ كَسِنِي يُوسُفَ " {[16718]} " وسِنيناً كسِنِينِ يُوسفُ " باللُّغتين ، وفي لام سَنَةٍ لغتان ، أحدهما : أنَّهَا واو لقولهم : سنوات وسَانَيْتُ ، وسُنَيَّةٌ . الثانية : أنَّها هاء لقولهم : سانَهْتُ وسَنَهَات وسُنَيْهَة ، وليس هذا الحكمُ المذكور أعني : جريانه مجرى جمع المذكر أو إعرابه بالحركات مقتصراً على لفظ " سِنينَ " بل هو جارٍ في كلِّ اسم ثلاثي مؤنث حُذِفَتْ لامُهُ ، وعُوِّضَ منها تَاءُ التَّأنيثِ ، ولم يُجْمَع جمع تكسير نحو : ثُبَةٍ وثُبين ، وقُلة ، وقُلينَ .
قال شهابُ الدِّين{[16719]} : " وتَحرَّزْتُ بقولي : حُذِفَتْ لامُه مِمَّا حُذِفَتْ فاؤه ، نحو : لِدة وعِدَة .
وبقولي ولم يُجْمع جمع تكسير من ظُبَةٍ وظُبّى ، وقد شَذَّ قولهم : لِدُونَ في المحذوف الفاء ، وظِبُونَ في المكسَّر .
يَرَى الرَّاءُونَ بالشَّفرَاتِ مِنْهَا *** وقُودَ أبِي حُبَاحِبَ والظُّبِينَا{[16720]}
واعلم أنَّ هذا النَّوَع إذَا جَرَى مَجْرَى الزيدينَ فإنْ كان مكسورَ الفاء سَلِمَتْ ، ولم تُغَيَّر نحو : مائة ومئين ، وفئة وفئين ، وإنْ كان مفتوحها كُسِرَتْ نحو : سنين ، وقد نُقِلَ فَتْحُها وهو قليلٌ جدّاً ، وإن كان مضمومَهَا جاز في جمعها الوجهان : أعني السَّلامة ، والكسر نحو : ثُبين وقُلين .
قال أبُو عَلِي : السَّنة على معنيين : أحدهما : يراد بها العام . والثاني : يراد بها الجدْب .
وقد غلبت السَّنَةُ على زمانِ الجدْبِ ، والعام على زمان الخصب حتى صَارَا كالعلم بالغلبة ولذلك أشتقُّوا من لفظ السَّنَةِ فقالوا : أسْنَتَ القَوْمُ .
عَمْرُوا الذي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ *** ورِجَالُ مَكَّةَ مُسْنتُونَ عِجَافُ{[16721]}
وقال حاتم الطائِيُّ : [ الطويل ]
فإنَّا نُهِينُ المَالَ مِنْ غَيْرِ ضِنَّةٍ *** وَلاَ يَشْتَكِينَا في السِّنينَ ضَرِيرُهَا{[16722]}
ويُؤيِّدُ ذلك في سورة يوسف [ الآية 47 ] : " { تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً } .
ثم قال : { سَبْعٌ شِدَادٌ } فهذا في الجدب .
وقال : { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلك عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ الناس } .
وقوله : " مِنَ الثَّمَرَاتِ " متعلِّق ب " نَقْصٍ " .
قال قتادةُ : أمَّا السنُونَ فلأهل البوادي ، وأمَّا نقص الثَّمراتِ فلأهل الأمصار .
" لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُّونَ " يتَّعظون ، وذلك لأنَّ الشدة ترقق القلوب ، وترغب فيما عند اللَّهِ .
قال تعالى : { وَإِذَا مَسَّهُ الشر فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ } .
قال القاضي : هذه الآية تدلُّ على أنَّهُ تعالى فعل ذلك لإرادة أن يذكَّرُوا وأنْ لا يقيموا على كفرهم ، وأجاب الواحديُّ : " بأنَّهُ قد جاء لفظا الابتلاء ، والاختبار في القرآن لا بمعنى أنَّه تعالى يمتحنهم ، لأنَّ ذلك على اللَّهِ مُحَالٌ ، بل إنَّه تعالى عاملهم معاملة تشبه الابتلاء ، والامتحان ، فكذا ههنا " .
ثم بيَّن أنَّهُم عند نزول تلك المحن عليهم يزيدون في الكُفْرِ ، والمعصيةِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.