إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَقَدۡ أَخَذۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (130)

{ وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بالسنين } شروعٌ في تفصيل مبادي الهلاكِ الموعودِ وإيذانٌ بأنه تعالى لم يُمهِلْهم بعد ذلك ولم يكونوا في خفْضٍ ودَعَةٍ بل رُتّبت أسبابُ هلاكِهم فتحولوا من حال إلى حال إلى أن حل بهم عذابُ الاستئصالِ ، وتصديرُ الجملة بالقسم لإظهار الاعتناءِ بمضمونها ، والسنونَ جمعُ سنة والمرادُ بها عامُ القحطِ وفيها لغتانِ أشهرُهما إجراؤها مُجرى المذكرِ السالمِ فيرفع بالواو ويُنصَب ويُجرُّ بالياء ويحذف نونُه بالإضافة . واللغةُ الثانية إجراءُ الإعراب على النون ولكن مع الياء خاصةً إما بإثبات تنوينِها أو بحذفه . قال الفراء : هي في هذه اللغةِ مصروفةٌ عند بني عامرٍ وغيرُ مصروفةٍ عند بني تميم ، ووجهُ حذف التنوينِ التخفيفُ وحينئذ لا يُحذف النونُ للإضافة وعلى ذلك جاء قوله الشاعر : [ الطويل ]

دعانيَ من نجدٍ فإن سنينَه *** لعِبْنَ بنا شيباً وشيَّبْننا مُرْدا{[294]}

وجاء الحديث : «اللهم اجعلْها عليهم سنينَ كسِني يوسُفَ » ، وسنينَ كسنينِ يوسف باللغتين { وَنَقْصٍ مّن الثمرات } بإصابة العاهات . عن كعبٍ يأتي على الناس زمانٌ لا تحمل النخلةُ إلا ثمرةً ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أما السنونَ فكانت لباديتهم وأهلِ ماشيتِهم وأما نقصُ الثمرات فكان في أمصارهم { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } كي يتذكروا ويتعظوا بذلك ويقِفوا على أن ذلك لأجل معاصيهم وينزجروا عما هم عليه من العُتوِّ والعناد . قال الزجاج : إن أحوالَ الشدةِ ترقِّقُ القلوب وترغّب فيما عند الله عز وجل وفي الرجوع إليه تعالى ، ألا يُرى إلى قوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّهُ الشر فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ } [ فصلت : 51 ] وقد مر تحقيقُ القول في لعل وفي محلها في تفسير قوله تعالى : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } في أوائل سورة البقرة .


[294]:البيت للصمة بن عبد الله القشيري في تخليص الشواهد ص 71؛ وخزانة الأدب 8/58؛ وشرح التصريح 1/77؛ وشرح شواهد الإيضاح ص 597؛ وشرح المفصل 5/11؛ والمقاصد النحوية 1/169.