{ وفاكهةً } يريد ألوان الفواكه ، { وأباً } يعني الكلأ والمرعى الذي لم يزرعه الناس ، مما يأكله الأنعام والدواب . قال عكرمة : الفاكهة ما يأكله الناس ، والأب ما يأكله الدواب . ومثله عن قتادة قال : الفاكهة لكم والأب لأنعامكم . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ما أنبتت الأرض مما يأكل الناس والأنعام . وروي عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر سئل عن قوله : { وفاكهة وأباً } فقال : أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم . وروى ابن شهاب عن أنس أنه سمع عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية ثم قال : كل هذا قد عرفنا فما الأب ؟ ثم رفض عصاً كانت بيده وقال : هذا لعمر الله التكلف ، وما عليك يا ابن أم عمر أن لا تدري ما الأب ، ثم قال : اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب ، وما لا فدعوه .
وأنبتنا فيها - أيضا - بقدرتنا وفضلنا { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً } . . والفاكهة : اسم للثمار التى يتناولها الإِنسان على سبيل التفكه والتلذذ ، مثل الرطب والعنب والتفاح .
والأب : اسم للكلأ الذى ترعاه الأنعام ، مأخوذ من أبَّ فلان الشئ ، إذا قصده واتجه نحوه ، لحاجته إليه . . والكلأ والعشب يتجه إلأيه الإِنسان بدوابه للرعى .
قال صاحب الكشاف : والأب : المرعى ، لأنه يؤب ، أى : يؤم وينتجع . . . وعن أبى بكر الصديق - رضى الله عنه - أنه سئل عن الأب فقال : أى سماء تظلنى ، وأى أرض تقلنى ، إذا قلت فى كتاب الله مالا علم لى به . .
وعن عمر - رضى الله عنه - أنه قرأ هذه الآية فقال : كل هذا قد عرفنا ، فما الأب ؟ ثم رفع عصا كانت فى يده وقال : هذا لعمر الله التكلف ، وما عليك يا بن أم عمر أن لا تدرى ما الأب ؟ ثم قال : اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب ، وما لا فدعوه .
فإن قلت : فهذا يشبه النهى عن تتبع معانى القرآن والبحث عن مشكلاته ؟ قلت : لم يذهب إلى ذلك ، ولكن القوم كانت أكبر همتهم عاكفة عن العمل ، وكان التشاغل بشئ من العلم لا يعمل به تكلفا عندهم ، فأراد أن الآية مسوقة فى الامتنان على الإِنسان بمطعمه ، واستدعاء شكره ، وقد علم من فحوى الآية ، أن الأبَّ بعض ما أنبته الله للإِنسان متاعا له أو لأنعامه فعليك ؟ بما هو أهم ، من النهوض بالشكر لله - تعالى - على ما تبين لك أو لم يشكل ، مما عدد من نعمه ، ولا تتشاغل عنه بطلب معنى الأب ، ومعرفة النبات الخاص الذى هو اسم له ، واكتف بالمعرفة الجملية ، إلى أن يتبين لك فى غير هذا الوقت . .
وقال بعض العلماء : والذى يتبين لى فى انتفاء علم الصديق والفاروق بمدلول لفظ الأب ، وهما من خلص العرب لأحد سببين :
إما لأن اللفظ كان قد تنوسى من استعمالهم ، فأحياه القرآن لرعاية الفاصلة ، فإن الكلمة قد تشتهر فى بعض القبائل أو فى بعض الأزمان وتنسى فى بعضها ، مثل اسم السكين عند الأوس والخزرج . فقد قال أنس بن مالك : ما كنا نقول إلا المدية ، حتى سمعت قول الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر أن سليمان قال : " ائتونى بالسكين أقسم الطفل بينهما نصفين " .
وإما لأن كلمة الأب تطلق على أشياء كثيرة ، منها النبت الذى ترعاه الأنعام ، ومنها التبن . ومنها يابس الفاكهة ، فكان إمساك أبى بكر وعمر عن بيان معناه ، لعدم الجزم بما أراد الله منه على التعيين ، وهل الأب مما يرجع إلى قوله { مَّتَاعاً لَّكُمْ } أو إلى قوله { وَلأَنْعَامِكُمْ } . ثم ختم –سبحانه- هذه النعم بقوله { مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مّتَاعاً لّكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ * فَإِذَا جَآءَتِ الصّآخّةُ * يَوْمَ يَفِرّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهُ وَبَنِيهِ * لِكُلّ امْرِىءٍ مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلََئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ } .
**قول تعالى ذكره : وفاكهة : ما يأكله الناس من ثمار الأشجار ، والأبّ : ما تأكله البهائم من العُشب والنبات . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن مبارك ، عن الحسن وَفاكِهَةً قال : ما يأكل ابن آدم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَفاكِهَةً قال : ما أكل الناس .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَفاكِهَةً قال : أما الفاكهة فلكم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَفاكِهَةً قال : الفاكهة لنا .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا حميد ، قال : قال أنس بن مالك : قرأ عمر : عَبَسَ وَتَوّلَى حتى أتى على هذه الاَية : وَفاكِهَةً وأبّا قال : قد علمنا ما الفاكهة ، فما الأبّ ؟ ثم أحسبه «شكّ الطبريّ » قال : إن هذا لهو التكلف .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن حميد ، عن أنس ، قال : قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه عَبَسَ وَتَوَلّى فلما أتى على هذه الاَية وَفاكِهَةً وأبّا قال : قد عرفنا الفاكهة ، فما الأبّ ؟ قال : لعمرك يا بن الخطاب إن هذا لهو التكلف .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن موسى بن أنس ، عن أنس ، قال : قرأ عمر : وَفاكِهَةً وأبّا قال : قد عرفنا الفاكهة ، فما الأبّ ؟ ثم قال : بحسبنا ما قد علمنا ، وألقى العصا من يده .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن خليد بن جعفر ، عن أبي إياس معاوية بن قُرة ، عن أنس ، عن عمر رضي الله عنه أنه قال : إن هذا هو التكلف .
قال : وحدثني قتادة ، عن أنس ، عن عمر بنحو هذا الحديث كله .
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ويعقوب ، قالوا : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت عاصم بن كُلَيب ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : عدّ سبعا ، جعل رزقه في سبعة ، وجعله من سبعة ، وقال في آخر ذلك : الأبّ ما أنبتت الأرض ، مما لا يأكل الناس .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا ابن فضيل ، قال : حدثنا عاصم ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : الأبّ : نبت الأرض مما تأكله الدوابّ ، ولا يأكله الناس .
حدثنا أبو كرب وأبو السائب ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا عبد الملك ، عن سعيد بن جُبَير ، قال : عدّ ابن عباس ، وقال : الأبّ : ما أنبتت الأرض للأنعام ، وهذا لفظ حديث أبي كريب . وقال أبو السائب في حديثه ، قال : ما أنبتت الأرض مما يأكل الناس وتأكل الأنعام .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : الأبّ : الكلأ والمرعى كله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن أبي رَزِين ، قال : الأبّ النبات .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رَزين ، مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش أو غيره ، عن مجاهد ، قال : الأبّ : المرعى .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، قال : قال مجاهد وأبّا : المرعى .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن مبارك ، عن الحسن وأبّا قال : الأبّ : ما تأكل الأنعام .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وأبّا قال : الأبّ : ما أكلت الأنعام .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : أما الأبّ : فلأنعامكم نعم من الله متظاهرة .
حدثنا ابن بشر ، قال : حدثنا عبد الواحد ، قال : حدثنا يونس ، عن الحسن ، في قوله : وأبّا قال : الأبّ : العشب .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، وقتادة ، في قوله : وأبّا قال : هو ما تأكله الدوابّ .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وأبّا يعني : المرعى .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وأبّا قال : الأبّ لأنعامنا ، قال : والأبّ : ما ترعى . وقرأ : مَتاعا لَكُمْ ولأَنْعامِكُمْ .
قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس وعمرو بن الحرث ، عن ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : قال الله : وَقَضْبا وَزَيْتُونا وَنَخْلاً وَحَدائِقَ غُلْبا وَفاكِهَةً وأبّا كلّ هذا قد علمناه ، فما الأبّ ؟ ثم ضرب بيده ، ثم قال : لعمُرك إن هذا لهو التكلف ، واتبعوا ما يتبين لكم في هذا الكتاب . قال عمر : وما يتبين فعليكم به ، وما لا فدعوه .
وقال آخرون : الأبّ : الثمار الرّطبة . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وأبّا يقول : الثمار الرطبة .