الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَفَٰكِهَةٗ وَأَبّٗا} (31)

قال عمرو بن معد يكرب :

يَمْشي بِهَا غُلْبُ الرِّقَابِ كَأَنَّهُمْ*** بُزْلٌ كُسِينَ مِنَ الْكُحَيْلِ جِلاَلاً

والأب : المرعى ، لأنه يؤبّ أي يؤم وينتجع . والأبّ والأمّ أخوان قال :

جِذْمُنَا قَيْسٌ وَنَجْدٌ دَارُنَا *** وَلَنَا الأبُّ بِهِ وَالْمَكَرَعُ

وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه سئل عن الأبّ فقال : أيّ سماء تظلني ، وأيّ أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا علم لي به . وعن عمر رضي الله عنه : أنه قرأ هذه الآية فقال : كل هذا قد عرفنا ، فما الأب ؟ ثم رفض عصاً كانت بيده وقال : هذا لعمر الله التكلف ، وما عليك يا ابن أمّ عمر أن لا تدري ما الأب ، ثم قال : اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب ، وما لا فدعوه

فإن قلت : فهذا يشبه النهي عن تتبع معاني القرآن والبحث عن مشكلاته . قلت : لم يذهب إلى ذلك ، ولكن القوم كانت أكبر همتهم عاكفة على العمل ، وكان التشاغل بشيء من العلم لا يعمل به تكلفاً عندهم ؛ فأراد أنّ الآية مسوقة في الامتنان على الإنسان بمطعمه واستدعاء شكره ، وقد علم من فحوى الآية أنّ الأب بعض ما أنبته الله للإنسان متاعاً له أو لإنعامه ؛ فعليك بما هو أهم من النهوض بالشكر لله - على ما تبين لك ولم يشكل - مما عدّد من نعمه ، ولا تتشاغل عنه بطلب معنى الأب ومعرفة النبات الخاص الذي هو اسم له ، واكتف بالمعرفة الجميلة إلى أن يتبين لك في غير هذا الوقت ، ثم وصى الناس بأن يجروا على هذا السنن فيما أشبه ذلك من مشكلات القرآن .