السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَفَٰكِهَةٗ وَأَبّٗا} (31)

{ وفاكهة } وهي ما تأكله الناس من ثمار الأشجار كالتين والخوخ ، قال النووي في منهاجه : ويدخل في فاكهة رطب وعنب ورمّان وأترج ورطب ويابس أي : كالتمر والزبيب ، قال : قلت : وليمون ونبق وبطيخ ولب فستق وبندق وغيرها في الأصح . { وأباً } وهو ما تأكله الدواب لأنه يؤب أي : يؤمّ وينتجع إليه . وقال عكرمة : الفاكهة ما يأكله الناس ، والأب ما تأكله الدواب ، وقيل : التبن . وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه سئل عن الأب فقال : أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله تعالى ما لا علم لي به . وعن عمر رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية فقال : كل هذا عرفنا فما الأب ؟ ثم رفض عصا كانت بيده ، ثم قال : هذا لعمر الله التكلف وما عليك يا ابن أمّ عمر أن لا تدري ما الأبّ ، ثم قال : اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب وما لا فدعوه .

فإن قيل : هذا يشبه النهي عن تتبع معاني القرآن والبحث عن مشكلاته ؟ أجيب : بأنه لم يذهب إلى ذلك ولكن القوم كانت أكثر همتهم عاكفة على العمل ، وكان التشاغل بشيء من العلم الذي لا يعمل به تكلفاً عندهم ، فأراد أنّ الآية مسوقة عندهم في الامتنان على الإنسان بمطعمه واستدعاء شكره ، وقد علم من فحوى الآية أنّ الأب بعض ما أنبته الله تعالى للإنسان متاعاً له أو لإنعامه ، فعليك بما هو أهمّ من النهوض بالشكر لله تعالى على ما بين لك ، ولم يشكل مما عدّد من نعمه ، ولا تتشاغل عنه بطلب معنى الأب ومعرفة النبات الخاص الذي هو اسم له ، واكتف بالمعرفة الجملية إلى أن يتبين لك من مشكلات القرآن .