اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَفَٰكِهَةٗ وَأَبّٗا} (31)

قوله : { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً } . الفاكهةُ : ما يأكله الناس من ثمار الأشجار ، كالتين ، والخوخ ، وغيرهما .

قال ابن الخطيب{[59391]} : وقد استدلَّ بعضهم بأنَّ الله - تعالى - لمَّا ذكره الفاكهة بعد ذكر العنبِ ، والزيتونِ ، والنخل ، وجب ألا يدخل هذه الأشياء في الفاكهة ، وهذا أقربُ{[59392]} من جهة الظاهر ؛ لأن المعطوف مغاير للمعطوف عليه .

وأمَّا الأبُّ : فقيل : الأبُّ للبهائم بمنزلة الفاكهة للنَّاس .

وقيل : هو مطلق المرعى .

قال الشاعر يمدحُ النبي صلى الله عليه وسلم : [ الطويل ]

5112- لَهُ دَعْوةٌ مَيْمُونةٌ رِيحُهَا الصَّبا *** بِهَا يُنْبِتُ اللهُ الحَصِيدةَ والأبَّا{[59393]}

وقيل : سمي المرعى أبًّا ؛ لأنه يؤبُّ ، أي : يؤم وينتجع ، والأبُّ والأمُّ بمعنى ؛ قال الشاعر : [ الرمل ]

5113- جِذمُنَا قَيْسٌ ونَجْدٌ دَارُنَا *** ولنَا الأبُّ بِهِ والمُكْرَعُ{[59394]}

وأبُّ لكذَا يَؤبُّ ابًّا ، وأبَّ إلى وطنه ، إذا نَزعَ الشيء نزوعاً : تهيَّأ لقصدهِ ، وهكذا أب بسيفه : أي : تهيَّأ لسله ، وقولهم : «إبان ذلك » هو فعلان منه ، وهو الشيء المتهيِّئ لفعله ومجيئه ، وقيل : الأبّ : يابس الفاكهة لأنها تؤب للشتاء ، أي تعد .

وقيل : الأبُّ ما تأكله البهائمُ من العُشْبِ .

قال ابنُ عباسٍ والحسن : الأبُّ ، كل ما أنبتت الأرض مما لا يأكله الناس ، وما يأكله الآدميون ، هو : «الحصيد »{[59395]} .

وعن ابن عباس وابن أبي طلحة : الأبُّ ، الثِّمارُ الرَّطبةُ{[59396]} .

وقال الضحاك : هو التِّينُ خاصَّةً{[59397]} . وهو محكي عن ابن عباس أيضاً . وقيل : الأب الفاكهة رطب الثمار ويابسها .

وقال إبراهيم التيمي : سُئل أبُو بكر الصديقُ - رضي الله عنه - عن تفسير الفاكهة والأبِّ ، فقال : أيُّ سماءٍ تظلني وأي أرض تقلّني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم{[59398]} .

وقال أنس : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ هذه الآية ، ثم قال : كل هذا عرفناه فما الأبُّ ؟ ثم رفع عصا كانت بيده ، ثم قال : هذا لعمر الله التكليف ، وما عليك يا ابن أم عمر ألا تدري ما الأبُّ ؟ .

ثم قال : اتَّبعوا ما بين لكم في هذا الكتاب ، وما لا فدعوه{[59399]} .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «خُلِقْتُمْ مِنْ سَبْعٍ ، ورُزقتُمْ مِنْ سَبعٍ فاسجُدُوا للهِ على سَبْعٍ »{[59400]} .

وإنما أراد بقوله عليه الصلاة والسلام : «خُلِقْتُمْ مِنَ سَبْعٍ » يعني : { مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ } [ الحج : 5 ] الآية .

والرزق من سبع ، وهو قوله تعالى : { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً } إلى قوله { وفاكهة } ثم قال : { وأبًّا } وهو يدل على أنه ليس برزق لابن آدم ، وأنَّه مما تختص به البهائم ، والله أعلم .


[59391]:ينظر الفخر الرازي 31/58.
[59392]:في أ: قريب.
[59393]:ينظر القرطبي 19/145، والبحر 8/418، والدر المصون 6/482.
[59394]:ينظر اللسان (أبب)، والكشاف 4/704، والقرطبي 19/145، والبحر المحيط 471، ومجمع البيان 10/667.
[59395]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/452).
[59396]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/452).
[59397]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/522)، عن الضحاك وعزاه إلى عبد بن حميد.
[59398]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/522) وعزاه إلى أبي عبيد في فضائله وعبد بن حميد.
[59399]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/451)، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/522)، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في "شعب الإيمان" والخطيب.
[59400]:ينظر تفسير القرطبي (19/145).