معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤۡمِنُوٓاْ إِذۡ جَآءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرٗا رَّسُولٗا} (94)

قوله عز وجل : { وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا } جهلاً منهم { أبعث الله بشراً رسولاً } ، أراد : أن الكفار كانوا يقولون لن نؤمن لك لأنك بشر ، وهلا بعث الله إلينا ملكاً ؟ فأجابهم الله تعالى : { قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤۡمِنُوٓاْ إِذۡ جَآءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرٗا رَّسُولٗا} (94)

قال الفخر الرازى : اعلم أنه - تعالى - لما حكى شبهة القوم فى اقتراح المعجزات الزائدة ، وأجاب عنها ، حكى عنهم شبهة أخرى ، وهى أن القوم استبعدوا أن يبعث الله إلى الخلق رسولاً من البشر ، بل اعتقدوا أن الله - تعالى - لو أرسل رسولاً إلى الخلق ، لوجب أن يكون ذلك الرسول من الملائكة ، فأجاب الله - تعالى - عن هذه الشبهة فقال : { وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا إِذْ جَآءَهُمُ الهدى إِلاَّ أَن قالوا . . . } .

والمراد بالناس هنا : المشركون منهم ، الذين استبعدوا واعتقدوا أن الرسول لا يكون من البشر ، ويدخل فيهم دخولاً أوليًا كفار مكة .

وجملة { أن يؤمنوا } فى محل نصب ، لأنها مفعول ثان لمنع .

وقوله : { إِلاَّ أَن قالوا } هو الفاعل ، و " إذ " ظرف للفعل منع ، أو لقوله : { أن يؤمنوا } .

والمعنى : وما صرف المشركين عن الإِيمان بالدين الحق وقت أن جاءتهم به الرسل ، إلا اعتقاد هؤلاء المشركين أن الله - تعالى - لا يبعث إليهم رجلاً من البشر لكى يبلغهم وحيه ، وإنما يبعث إليهم ملكًا من الملائكة لكى يبلغهم ذلك .

وعبر عن اعتقادهم الباطل هذا بالقول فقال : { إِلاَّ أَن قالوا . . } للإِشعار بأنه مجرد قول لاكته ألسنتهم ، دون أن يكون معهم أى مستند يستندون إليه لإِثبات قبوله عند العقلاء .

وجاء التعبير عن اعتقادهم الباطل هذا بصيغة الحصر ، لبيان أنه مع بطلانه - هو من أهم الموانع والصوارف ، التى منعتهم وصرفتهم عن الدخول فى الدين الحق ، الذى جاءتهم به الرسل - عليهم الصلاة والسلام - ، وهذا لا يمنع أن هناك صوارف أخرى حالت بينهم وبين الإِيمان كالحسد والعناد .

قال صاحب الكشاف : " والمعنى . وما منعهم من الإِيمان بالقرآن ، وبنبوة النبى صلى الله عليه وسلم إلا شبهة تلجلجت فى صدورهم ، وهى إنكارهم أن يرسل الله البشر . والهمزة فى { أبعث الله } للإِنكار ، وما أنكروه فخلافه هو المنكر عند الله - تعالى - لأن قضية حكمته ، أن لا يرسل ملك الوحى إلا إلى أمثاله ، أو إلى الأنبياء " .

والمتدبر فى القرآن الكريم ، يرى أن هذه الشبهة - وهى إنكار المشركين كون الرسول بشرًا - قد حكاها فى آيات كثيرة منها قوله - تعالى - : { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إلى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ الناس وَبَشِّرِ الذين آمنوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ . . . } وقوله - تعالى - : { ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات فقالوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ واستغنى الله والله غَنِيٌّ حَمِيدٌ } ومما لا شك فيه أن هذه الشبهة تدل ، على أن هؤلاء الكافرين ، لم يدركوا قيمة بشريتهم وكرامتها عند الله - تعالى - ، وذلك بسبب انطماس بصائرهم ، وكثرة جهلهم ، وعكوفهم على موروثاتهم الفاسدة .