معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُمۡ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِهِۦۖ وَنَحۡشُرُهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ عُمۡيٗا وَبُكۡمٗا وَصُمّٗاۖ مَّأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ كُلَّمَا خَبَتۡ زِدۡنَٰهُمۡ سَعِيرٗا} (97)

قوله عز وجل : { ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه } ، يهدونهم ، { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم } .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا الحسن بن شجاع الصوفي المعروف بابن الموصلي ، أنبأنا أبو بكر بن الهيثم ، حدثنا جعفر بن محمد الصائغ ، حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا سفيان عن قتادة عن أنس " أن رجلاً قال : يا رسول الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيام ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه " . وجاء في الحديث : " إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك " . { عمياً وبكماً وصماً } . فإن قيل : كيف وصفهم بأنهم عمي وبكم وصم . وقد قال : { ورأى المجرمون النار } [ الكهف – 53 ] ، وقال : { دعوا هنالك ثبورا } [ الفرقان – 13 ] ، وقال : { سمعوا لها تغيظاً وزفيراً } [ الفرقان – 12 ] ، أثبت الرؤية والكلام والسمع ؟ . قيل : يحشرون على ما وصفهم الله ثم تعاد إليهم هذه الأشياء . وجواب آخر ، قال ابن عباس : عميا لا يرون ما يسرهم ، بكماً ، لا ينطقون بحجة ، صماً لا يسمعون شيئاً يسرهم . وقال الحسن : هذا حين يساقون إلى الموقف إلى أن يدخلوا النار . وقال مقاتل : هذا حين يقال لهم : { اخسؤوا فيها ولا تكلمون } [ المؤمنون – 108 ] ، فيصيرون بأجمعهم عمياً وبكماً وصماً ، لا يرون ولا ينطقون ولا يسمعون . { مأواهم جهنم كلما خبت } ، قال ابن عباس : كلما سكنت ، أي : سكن لهيبها . وقال مجاهد : طفئت وقال قتادة : ضعفت وقيل : هو الهدو من غير أن يوجد نقصان في ألم الكفار ، لأن الله تعالى قال : { لا يفتر عنهم } [ الزخرف – 75 ] ، وقيل : { كلما خبت } أي : أرادت أن تخبو ، { زدناهم سعيراً } أي : وقوداً . وقيل : المراد من قوله : { كلما خبت } أي : نضجت جلودهم واحترقت أعيدوا فيها إلى ما كانوا عليه ، وزيد في تسعير النار لتحرقهم { ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا } فأجابهم الله تعالى فقال : { أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُمۡ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِهِۦۖ وَنَحۡشُرُهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ عُمۡيٗا وَبُكۡمٗا وَصُمّٗاۖ مَّأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ كُلَّمَا خَبَتۡ زِدۡنَٰهُمۡ سَعِيرٗا} (97)

وقوله - سبحانه - : { وَمَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ } كلام مستأنف منه - تعالى - لبيان نفاذ قدرته ومشيئته .

أى : ومن يهده الله - تعالى - إلى طريق الحق ، فهو الفائز بالسعادة ، المهدى إلى كل مطلوب حسن ، { ومن يضلل } أى : ومن يرد الله - تعالى - إضلاله { فَلَن تَجِدَ لَهُمْ } أيها الرسول الكريم { أولياء } أى : نصراء ينصرونهم ويهدونهم إلى طريق الحق { من دونه } عز وجل ، إذ أن الله - تعالى - وحده هو الخالق للهداية والضلالة ، على حسب ما تقتضيه حكمته ومشيئته .

وجاء قوله - تعالى - { فهو المهتد } بصيغة الإِفراد حملا على لفظ { من } فى قوله { وَمَن يَهْدِ الله } وجاء قوله : { فَلَن تَجِدَ لَهُمْ } بصيغة الجمع حملا على معناها فى قوله : { ومن يضلل } .

قالوا : ووجه المناسبة فى ذلك - والله أعلم - أنه لما كان الهدى شيئًا واحدًا غير متشعب السبل ، ناسبه الإِفراد ، ولما كان الضلال له طرق متشعبة ، كما فى قوله - تعالى - : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } ناسبه الجمع .

ثم بين - سبحانه - الصورة الشنيعة التى يحشر عليها الضالون يوم القيامة فقال : { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً . . } .

والحشر : الجمع . يقال : حشرت الجند حشرًا . أى جمعتهم . وقوله : { على وجوههم } حال من الضمير المنصوب فى نحشرهم . وقوله : { عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً } أحوال من الضمير المستكن فى قوله { على وجوههم } . أى : نجمع هؤلاء الضالين يوم القيامة ، حين يقومون من قبورهم ، ونجعلهم - بقدرتنا - يمشون على وجوههم ، أو يسحبون عليها ، إهانة لهم وتعذيبًا ، ويكونون فى هذه الحالة عميا لا يبصرون ، وبكما لا ينطقون ، وصما لا يسمعون .

قال الآلوسى ما ملخصه : قوله - تعالى - : { نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ } إما مشيا ، بأن يزحفوا منكبين عليها . ويشهد له ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن أنس قال : " قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف يحشر الناس على وجوههم ؟ فقال : " الذى أمشاهم على أرجلهم ، قادر على أن يمشيهم على وجوههم " " .

وإما سحبا بأن تجرهم الملائكة منكبين عليها ، كقوله - تعالى - : { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النار على وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } ويشهد له ما أخرجه أحمد والنسائى والحاكم - وصححه - " عن أبى ذر ، أنه تلا هذه الآية . { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ } فقال : حدثنى الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج فوج طاعمين كاسين راكبين ، وفوج يمشون ويسعون ، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم " .

وجائز أن يكون الأمران فى حالين : الأول : عند جمعهم وقبل دخولهم النار ، والثانى عند دخولهم فيها .

. .

ثم قال : وزعم بعضهم أن الكلام على المجاز ، وذلك كما يقال للمنصرف عن أمر وهو خائب مهموم : انصرف على وجهه . . وإياك أن تلتفت إلى - هذا الزعم - أو إلى تأويل نطقت السنة النبوية بخلافه ، ولا تعبأ بقوم يفعلون ذلك .

فإن قيل : كيف نوفق بين هذه الآية التى تثبت لهؤلاء الضالين يوم حشرهم العمى والبكم والصمم ، وبين آيات أخرى تثبت لهم فى هذا اليوم الرؤية والكلام والسمع ، كما فى قوله - تعالى - : { وَرَأَى المجرمون النار . . } وكما فى قوله - سبحانه - : { دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } وكما فى قوله - عز وجل - : { سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } فالجواب : أن المراد فى الآية هنا أنهم يحشرون عميا لا يرون ما يسرهم ، وبكما لا ينطقون بحجة تنفعهم ، وصمًا لا يسمعون ما يرضيهم . .

أو أنهم يحشرون كذلك ، ثم تعاد لهم حواسهم بعد ذلك عند الحساب وعند دخولهم النار .

أو أنهم عندما يحشرون يوم القيامة ، ويرون ما يرون من أهوال ، تكون أحوالهم كأحوال العمى الصم البكم ، لعظم حيرتهم ، وشدة خوفهم ، وفرط ذهولهم .

ثم بين - سبحانه - مآلهم بعد الحشر والحساب فقال : { مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } .

ومعنى : { خبت } هدأت وسكن لهيبها . يقال : خبت النار تخبو إذا هدأ لهيبها .

أى : أن هؤلاء المجرمين مأواهم ومسكنهم ومقرهم جهنم ، كلما سكن لهيب جهنم وهدأ ، بأن أكلت جلودهم ولحومهم ، زدناهم توقدا ، بأن تبدل جلودهم ولحومهم بجلود ولحوم أخرى ، فتعود النار كحالتها الأولى ملتهبة مستعرة .

وخبو النار وسكونها لا ينقص شيئًا من عذابهم ، وعلى ذلك فلا تعارض بين هذه الآية وبين قوله - عز وجل - { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ } وفى هذه الآية ما فيها من عذاب للكافرين تقشعر من هوله الأبدان ، وترتجف من تصويره النفوس والقلوب ، نسأل الله - تعالى - بفضله ورحمته أن يجنبنا هذا المصير المؤلم .