أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلِ ٱدۡعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُم مِّن دُونِهِۦ فَلَا يَمۡلِكُونَ كَشۡفَ ٱلضُّرِّ عَنكُمۡ وَلَا تَحۡوِيلًا} (56)

{ قل ادعوا الذين زعمتم } أنها آلهة . { من دونه } كالملائكة والمسيح وعزير . { فلا يملكون } فلا يستطيعون . { كشف الضُّر عنكم } كالمرض والفقر والقحط . { ولا تحويلا } ولا تحويل ذلك منكم إلى غيركم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلِ ٱدۡعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُم مِّن دُونِهِۦ فَلَا يَمۡلِكُونَ كَشۡفَ ٱلضُّرِّ عَنكُمۡ وَلَا تَحۡوِيلًا} (56)

لم أر لهذه الآية تفسيراً ينثلج له الصدر ، والحيرة بادية على أقوال المفسرين في معناها وانتظام موقعها مع سابقها ، ولا حاجة إلى استقراء كلماتهم . ومرجعها إلى طريقتين في محمل { الذين زعمتم من دونه } إحداهما في « تفسير الطبري » وابن عطية عن ابن مسعود والحسن . وثانيتهما في « تفسير القرطبي » والفخر غير معزوة لقائل .

والذي أرى في تفسيرها أن جملة { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه } إلى { تحويلاً } معترضة بين جملة { ولقد فضلنا بعض النبيئين } [ الإسراء : 55 ] وجملة { أولئك الذين يدعون } [ الإسراء : 57 ] . وذلك أنه لما جرى ذكر الأفضلين من الأنبياء في أثناء آية الرد على المشركين مقالتهم في اصطفاء محمد صلى الله عليه وسلم للرسالة واصطفاء أتباعه لولايته ودينه ، وهي آية { وربك أعلم بمن في السماوات والأرض } [ الإسراء : 55 ] إلى آخرها ، جاءت المناسبة لرد مقالة أخرى من مقالاتهم الباطلة وهي اعتذارهم عن عبادة الأصنام بأنهم ما يعبدونهم إلا ليقربوهم إلى الله زلفى ، فجعلوهم عباداً مقربين ووسائل لهم إلى الله ، فلما جرى ذكر المقربين حقاً انتُهزت مناسبة ذكرهم لتكون مخلصاً إلى إبطال ما ادعوه من وسيلة أصنامهم على عادة إرشاد القرآن من اغتنام مناسبات الموعظة ، وذلك من أسلوب الخطباء . فهذه الآية متصلة المعنى بآية { قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً } [ الإسراء : 42 ] . فبعد أن أبطل أن يكون مع الله آلهة ببرهان العقل عاد إلى إبطال إلهيتهم المزعومة ببرهان الحسّ . وهو مشاهدة أنها لا تغني عنهم كشف الضر .

فأصل ارتباط الكلام هكذا : { ولقد فضلنا بعض النبيئين على بعض وآتينا داوود زبورا أولئك الذين يدعون يبتغون } الآية . فبمناسبة الثناء عليهم بابتهالهم إلى ربهم ذكر ضد ذلك من دعاء المشركين آلهتهم . وقدم ذلك ، على الكلام الذي أثار المناسبة ، اهتماماً بإبطال فعلهم ليكون إبطاله كالغرض المقصود ويكون ذكر مقابله كالاستدلال على ذلك الغرض . ولعل هذه الآية نزلت في مدة إصابة القحط قريشاً بمكّة ، وهي السبع السنون التي هي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف " وتسلسل الجدال وأخذ بعضه بحُجز بعض حتى انتهى إلى هذه المناسبة .

والمِلْكُ بمعنى الاستطاعة والقدرة كما في قوله : { قل فمن يملك من الله شيئاً } [ المائدة : 17 ] ، وقوله : { قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً } في سورة [ العقود : 76 ] .

والمقصود من ذلك بيان البون بين الدعاء الحق والدعاء الباطل . ومن نظائر هذا المعنى في القرآن قوله تعالى : { إن وَلِيّي الله الذي نزَّل الكتاب وهو يتولَّى الصالحين والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون } في سورة [ الأعراف : 196 ، 197 ] .

والكشف : مستعار للإزالة .

والتحويل : نقل الشيء من مكان إلى مكان ، أي لا يستطيعون إزالة الضر عن الجميع ولا إزالته عن واحد إلى غيره .