التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{قُلِ ٱدۡعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُم مِّن دُونِهِۦ فَلَا يَمۡلِكُونَ كَشۡفَ ٱلضُّرِّ عَنكُمۡ وَلَا تَحۡوِيلًا} (56)

أورد المفسرون فى سبب نزول هاتين الآيتين روايات منها :

قال ابن كثير : قال العوفى عن ابن عباس فى قوله : { قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ . . . } .

قال : كان أهل الشرك يقولون نعبد الملائكة والمسيح وعزيرا .

وروى البخارى وغيره عن ابن مسعود فى قوله : { أولئك الذين يَدْعُونَ } قال : كان ناس من الإِنس يعبدون ناسا من الجن ، فأسلم الجن وتمسك هؤلاء - أى الإِنس - بدينهم . . فنزلت هذه الآية .

وقال القرطبى : لما ابتليت قريش بالقَحْط ، وشكَوْا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنزل الله هذه الآية : { قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ . . . } .

والمراد بالزعم هنا : الظن الكاذب الذى لا أساس له من الحقيقة والواقع .

قال الآلوسى ما ملخصه : والزعم قريب من الظن ، ويقال إنه القول المشكوك فيه ، ويستعمل بمعنى الكذب ، حتى قال ابن عباس : كل ما ورد فى القرآن زعم فهو كذب .

وقد يطلق على القول المحقق ، والصدق الذى لا شك فيه . . . فقد ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " زعم جبريل كذا . . . " .

وهو مما يتعدى إلى مفعولين ، وقد حذفا هنا ، أى : زعمتموهم آلهة . . والظاهر أن المراد من الموصول - الذين - كل من عبد من دون الله من العقلاء .

والمعنى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الكافرين الذين أشركوا مع الله - تعالى - آلهة أخرى فى العبادة . قل لهم على سبيل الإِرشاد والتحدى : هذه الآلهة التى تعبدونها ، اطلبوا منها أن تدفع عنكم ما نزل بكم من ضر كمرض أو فقر أو قحط ؛ أو أن تحوله منكم إلى غيركم . . .

فإذا لم تستطع ذلك - وهى بكل تأكيد لا تستطيع ولن تستطيع - فاتركوا عبادتها ، وأخلصوا العبادة والطاعة لمن هو على كل شئ قدير ، وهو الله - عز وجل - .

واكتفى - سبحانه - بذكر كشف الضر ، لأنه هو الذى تتطلع إليه النفوس عند نزول المصائب ، أكثر من تطلعها إلى جلب النفع ، إذ عند نزول الضر ، لا تشتغل الألسنة والقلوب إلا برجاء كشفه .