أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُحۡشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ سَبِيلٗا} (34)

{ الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم } أي مقلوبين أو مسحوبين عليها ، أو متعلقة قلوبهم بالسفليات متوجهة وجوههم إليها . وعنه عليه الصلاة والسلام " يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف ، صنف على الدواب وصنف على الأقدام وصنف على الوجوه " وهو ذم منصوب أو مرفوع أو مبدأ خبره . { أولئك شر مكانا وأضل سبيلا } والمفضل عليه هو الرسول صلى الله عليه وسلم على طريقة قوله تعالى : { قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه } كأنه قيل إن حاملهم على هذه الأسئلة تحقير مكانه وتضليل سبيله ولا يعلمون حالهم ليعلموا أنهم شر مكانا وأضل سبيلا ، وقيل إنه متصل بقوله { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا } ووصف السبيل بالضلال من الإسناد المجازي للمبالغة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُحۡشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ سَبِيلٗا} (34)

استئناف ابتدائي لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ولوعيد المشركين وذمهم .

والموصول واقعٌ موقع الضمير كأنه قيل : هُم يحشرون على وجوههم ، فيكون الضمير عائداً إلى الذين كفروا من قوله : { وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة } [ الفرقان : 32 ] إظهاراً في مقام الإضمار لتحصيل فائدة أن أصحاب الضمير ثبتَ لهم مضمون الصلة ، وليبنى على الصلة موقع اسم الإشارة ، ومقتضى ظاهر النظم أن يقال : ولا يأتونك بِمَثَل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً ، هُم شرّ مكاناً وأضل سبيلاً ، ونحشرهم على وجوههم إلى جهنم ، كما قال في سورة الإسراء ( 97 ) { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم } عقب قوله : { وما منَع الناسَ أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلاّ أن قالوا أبعَث اللَّه بشراً رسولاً } [ الإسراء : 94 ] ويعلم من السياق بطريق التعريض أن الذين يحشرون على وجوههم هم الذين يأتون بالأمثال تكذيباً للنبيء صلى الله عليه وسلم وإذ كان قصدهم مما يأتون به من الأمثال تنقيص شأن النبي ذكروا بأنهم أهل شر المكان وضلاللِ السبيل دون النبي صلى الله عليه وسلم فالموصول مبتدأ واسم الإشارة خبر عنه .

وقد تقدم معنى { يحشرون على وجوههم } في سورة الإسراء ( 97 ) عند قوله { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم . وتقدم ذكر الحديث في السُّؤَال عن كيفَ يمشون على وجوههم .

وشّر : اسم تفضيل . وأصله أشرّ وصيغتا التفضيل في قوله { شَرّ } ، و{ أضلّ } مستعملتان للمبالغة في الاتصاف بالشر والضلال كقوله { قال أنتم شَرّ مكاناً } [ يوسف : 77 ] في جواب قول إخوة يوسف { إنْ يسرق فقد سرق أخ له من قبل } [ يوسف : 77 ] .

وتعريف جزأي الجملة يفيد القصر وهو قصر للمبالغة بتنزيلهم منزلة من انحصر الشر والضلال فيهم . وروي عن مقاتل أن الكفار قالوا للمسلمين : هم شر الخلق ، فنزلت هذه الآية فيكون القصر قصر قلب ، أي هم شر مكاناً وأضل سبيلاً لا المسلمون ، وصيغتا التفضيل مسلوبتا المفاضلة على كلا الوجهين .

والمكان : المقَر . والسبيل : الطريق ، مكانهم جهنم ، وطريقهم الطريق الموصل إليها وهو الذي يحشرون فيه على وجوههم .

والإتيان باسم الإشارة عقب ما تقدم للتنبيه على أن المشار إليهم أحرِياء بالمكان الأشرّ والسبيل الأضل ، لأجل ما سَبق من أحوالهم التي منها قولهم { لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة } [ الفرقان : 32 ] .

و { سبيلاً } تمييز محوَّل عن الفاعل ، فأصله : وضل سبيلُهم . وإسناد الضلال إلى السبيل في التركيب المحول عنه مجازٌ عقلي لأن السبيل سبب ضلالهم .