إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ٱلَّذِينَ يُحۡشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ سَبِيلٗا} (34)

{ الذين يُحْشَرُونَ على وُجُوهِهِمْ إلى جَهَنَّمَ } أي يُحشرون كائنين على وجوهِهم يُسحبون عليها ويُجرُّون إلى جهنَّمَ وقيل : مقلوبين وجوهُهم على قفاهم وأرجلُهم إلى فوقٍ . رُوي عنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ : ( يُحشر النَّاسُ يومَ القيامةِ على ثلاثةِ أثلاثٍ ثلثٌ على الدَّوابِّ ، وثُلثٌ على وجوهِهم ، وثُلثٌ على أقدامِهم ينسِلون نَسلاً ) وأما ما قيل : متعلقةً قلوبهم بالسُّفليَّاتِ متوجِّهةً وجوهُهم إليها فبعيد لأنَّ هول ذلك اليومِ ليس بحيث يبقى لهم عنده تعلُّقٌ بالسُّفليَّاتِ أو توجُّه إليها في الجملة ومحلُّ الموصول إمَّا النَّصبُ أو الرَّفعُ على الذمِّ أو الرَّفعُ على الابتداء وقوله تعالى : { أولئك } بدلٌ منه أو بيانٌ له وقوله تعالى : { شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً } خبر له أو اسم الإشارة مبتدأ ثانٍ وشرُّ خبرُه والجملة خبرٌ للموصول ووصف السَّبيلِ بالضَّلالِ من باب الإسناد المجازيِّ للمبالغة والمفضل عليه الرَّسولُ عليه الصَّلاة والسَّلام على منهاجِ قوله تعالى : { قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرّ مّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ الله مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ } [ سورة المائدة ، الآية :60 ] كأنَّه قيل إنَّ حاملهم على هذه الاقتراحات تحقيرُ مكانِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بتضليل سبيله ولا يعلمون حالَهم ليعلموا أنَّهم شرٌّ مكاناً وأضلُّ سبيلاً وقيل : هو متَّصلٌ بقوله تعالى : { أصحاب الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } [ سورة الفرقان ، الآية 24 ] .