البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱلَّذِينَ يُحۡشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ سَبِيلٗا} (34)

و { الذين يحشرون } .

قال الكرماني : متصل بقوله { أصحاب الجنة يومئذ } الآية .

قيل : ويجوز أن يكون متصلاً بقوله { وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين } انتهى .

والذي يظهر أنهم لم اعترضوا في حديث القرآن وإنزاله مفرقاً كان في ضمن كلامهم أنهم ذوو رشد وخير ، وأنهم على طريق مستقيم ولذلك اعترضوا فأخبر تعالى بحالهم وما يؤول إليه أمرهم في الآخرة بكونهم { شر مكاناً وأضل سبيلاً } والظاهر أنه يحشر الكافر على وجهه بأن يسحب على وجهه .

وفي الحديث « إن الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم » وهذا قول الجمهور .

وقيل : هو مجاز للذلة المفرطة والهوان والخزي .

وقيل : هو من قول العرب مر فلان على وجهه إذا لم يدر أين ذهب .

ويقال : مضى على وجهه إذا أسرع متوجهاً لقصده و { شر } و { أضل } ليسا على بابهما من الدلالة على التفضيل .

وقوله { شر مكاناً } أي مستقراً وهو مقابل لقوله { خير مستقراً } ويحتمل أن يراد بالمكان المكانة والشرف لا المستقر .

وأعربوا { الذين } مبتدأ والجملة من { أولئك } في موضع الخبر ويجوز عندي أن يكون { الذين } خبر مبتدأ محذوف لما تقدم ذكر الكافرين وما قالوا قال إبعاداً لهم وتسميعاً بما يؤول إليه حالهم هم { الذين يحشرون } ثم استأنف إخباراً أخبر عنهم فقال { أولئك شر مكاناً }