أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (190)

{ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب } لدلائل واضحة على وجود الصانع ووحدته وكمال علمه وقدرته لذوي العقول المجلوة الخالصة عن شوائب الحس والوهم كما سبق في سورة البقرة ، ولعل الاقتصار على هذه الثلاثة في هذه الآية لأن مناط الاستدلال هو التغير ، وهذه متعرضة لجملة أنواعه فإنه إما أن يكون في ذات الشيء كتغير الليل والنهار ، أو جزئه كتغير العناصر بتبدل صورها أو الخارج عنه كتغير الأفلاك بتبدل أوضاعها . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها " .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (190)

هذا غرض أُنف بالنسبة لما تتابع من أغراض السورة ، انتُقل به من المقدّمات والمقصد والمتخلِّلات بالمناسبات ، إلى غرض جديد هو الاعتبار بخلق العوالم وأعراضها والتنويه بالذين يعتبرون بما فيها من آيات .

ومِثْل هذا الانتقال يكون إيذاناً بانتهاء الكلام على أغراض السورة ، على تفنّنها ، فقد كان التنقّل فيها من الغرض إلى مشاكله وقد وقع الانتقال الآن إلى غرض عامّ : وهو الاعتبار بخلق السماوات والأرض وحال المؤمنين في الاتّعاظ بذلك ، وهذا النحو في الانتقال يعرض للخطيب ونحوه من أغراضه عقب إيفائها حقّها إلى غرض آخر إيذاناً بأنّه أشرف على الانتهاء ، وشأن القرآن أن يختم بالموعظة لأنّها أهمّ أغراض الرسالة ، كما وقع في ختام سورة البقرة .

وحرف ( إنّ ) للاهتمام بالخبر .

والمراد ب { خلْق السماوات والأرض } هنا : إمّا آثار خَلْقِها ، وهو النظام الذي جعل فيها ، وإمّا أن يراد بالخلق المخلوقات كقوله تعالى : { هذا خلق اللَّه } [ لقمان : 11 ] . و { أولو الألباب } أهل العقول الكاملة لأنّ لبّ الشيء هو خلاصته . وقد قدّمنا في سورة البقرة بيان ما في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار من الآيات عند قوله تعالى : { إن في خلق السموات والأرض واختلاف اللَّيل والنهار والفلك } [ البقرة : 164 ] إلخ .