الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (190)

{ لآيات } لأدلة واضحة على الصانع وعظيم قدرته وباهر حكمته { لاِوْلِى الألباب } للذين يفتحون بصائرهم للنظر والاستدلال والاعتبار . ولا ينظرون إليها نظر البهائم غافلين عما فيها من عجائب الفطر . وفي النصائح الصغار : املأ عينيك من زينة هذه الكواكب ، وأجلهما في جملة هذه العجائب ، متفكراً في قدرة مقدّرها ، متدبراً حكمة مدبرها ، قيل أن يسافر بك القدر ، ويحال بينك وبين النظر . وعن ابن عمر رضي الله عنهما : قلت لعائشة رضي الله عنها : أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكت وأطالت ، ثم قالت : كل أمره عجب ، أتاني في ليلتي فدخل في لحافي حتى ألصق جلده بجلدي ، ثم قال : يا عائشة ، هل لك أن تأذني لي الليلة في عبادة ربي ؟ فقلت : يا رسول الله إني لأحب قربك وأحب هواك ، قد أذنت لك . فقام إلى قربة من ماء في البيت . فتوضأ ولم يكثر من صب الماء ، ثم قام يصلي ، فقرأ من القرآن فجعل يبكي حتى بلغ الدموع حقويه ، ثم جلس فحمد الله وأثنى عليه وجعل يبكي ، ثم رفع يديه فجعل يبكي حتى رأيت دموعه قد بلت الأرض ، فأتاه بلال يؤذنه بصلاة الغداة فرآه يبكي فقال له : يا رسول الله ، أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : يا بلال أفلا أكون عبداً شكوراً . ثم قال : وما لي لا أبكي وقد أنزل الله عليّ في هذه الليلة { إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض } ثم قال : ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها وروي :«ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأمّلها » وعن علي رضي الله عنه : " أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يتسوّك ثم ينظر إلى السماء ثم يقول : { إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض } " وحكي : أنّ الرجل من بني إسرائيل كان إذا عبد الله ثلاثين سنة أظلته سحابة ، فعبدها فتى من فتيانهم فلم تظله ، فقالت له أمّه : لعلّ فرطة فرطت منك في مدّتك ؟ فقال : ما أذكر . قالت : لعلك نظرت مرّة إلى السماء ولم تعتبر ؟ قال : لعلّ . قالت : فما أُتيت إلا من ذاك .