تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (190)

الآية 190 وقوله تعالى : { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب } في الآية وجوه : أحدهما : أنه خلق السموات والأرض للبشر ولمنافعهم لا أنه خلقها لأنفسهما لا منفعة لهما بخلقه إياهما حتى دل أنه إنما خل قها لمنافع البشر وسخ رها لهم . ثم جعل منافع السماء مع بعدها من الأرض متصلة بمنافع الأرض حتى لا تقوم منافع هذا إلا بمنافع الآخر فيصرهما كالمتصلين لاتصال المنافع مع بعد ما بينهما فدل هذا أن النبي أنشأهما واحد .

وكذلك اختلاف الليل والنهار هما مختل فان أحدهما ظلام والآخر نور يفنيان الأعمار ويقربان الآجال في رأي العين لا تشابه ولا تشاكل وإن أحدهما نور والآخر ظلام وهما متضادان لكن خلقهما لمنافع البشر والمقصود بخلقهما{[4742]} بنو آدم لا نفساهما{[4743]} على ما ذكرنا أن لا منفعة ( لهما في حلقهما ) {[4744]} ثم صيرهما مع اختلافهما وتضادهما كالشكلين لاتصال منافع بعضهما ببعض . دل أن منشئهما واحد وأنه حكيم عليم حين جمع من المتضادين المختلفين كالشكلين وهما لعلم وحكمة وتدبير صارا كذلك .

وفيهما دلالة البعث لأنهما يفنيان حتى لا يبقى من الليل اثر حتى يجيء النهار حتى أيضا لا يبقى من النهار أثر فيجيء آخر لا يزال كذلك فإذا كان كذلك قادرا على خلق الليل وإنشائه من غير أثر بقي من لانهار فكذلك ( هو ){[4745]} قادر على إنشاء النهار من غير أن يبقى من الليل اثر ظلام ( فإنه ) {[4746]} لقادر على أن ينشئ الخلق ثانيا ويحييهم وغن فنوا وهلكوا ولم يبق منهم اثر فإذا كان خلق{[4747]} السموات والأرض وما فيهما لمنافع البشر وهو المقصود في خلق هما لا غيره من الخلائق لما ركب فيهم من العقول ( والبصر اللذين ) {[4748]} بهما يميزون بين المنافع والمضار وبين الخبيث والطيب وبين الحسن والقبيح ولم يركب ذلك في غريهم من الخلائق لابد من أمر ونهي يأمر بأشياء وينهى عن أشياء يمتحنهم على ذلك إذ هم أهل التمييز{[4749]} والفهم والبصر فإذا كان ما ذكرنا لابد أيضا من دار أخرى لجزاء يكرم المطيع له فيها والولي ويعاقب العدو فيها والعاصي ولا قوة إلا بالله .


[4742]:في الأصل و م: بخلقهم.
[4743]:في الأصل و م: أنفسهم.
[4744]:في الأصل و م: لهم في خلقهم.
[4745]:ساقطة من الأصل و م.
[4746]:ساقطة من الأصل و م.
[4747]:أدرج قبلها في الأصل و م: من.
[4748]:في الأصل و م: والصبر الذي.
[4749]:من م في الأصل: التمييز.