أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۖ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ} (117)

{ وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك } فألقاها فصارت حية . { فإذا هي تلقف ما يأفكون } أي ما يزورونه من الإفك ، وهو الصرف وقلب الشيء عن وجهه ، ويجوز أن تكون ما مصدرية وهي مع الفعل بمعنى المفعول . روي : أنها لما تلقفت حبالهم وعصيهم وابتلعتها بأسرها أقبلت على الحاضرين فهربوا وازدحموا حتى هلك جمع عظيم ، ثم أخذها موسى فصارت عصا كما كانت فقال السحرة : لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا . وقرأ حفص عن عاصم { تلقف } ها هنا وفي " طه " و " الشعراء " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۖ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ} (117)

{ أن } في موضع نصب ب { أوحينا } أي بأن ألق ، ويحتمل أن تكون مفسرة بمعنى أي فلا يكون لها موضع من الإعراب ، وروي أن موسى لما كان يوم الجمع خرج متكئاً على عصاه ويده في يد أخيه وقد صف له السحرة في عدد عظيم حسبما ذكر ، فلما ألقوا واسترهبوا أوحى الله إليه ، فألقى فإذا هي ثعبان مبين ، فعظم حتى كان كالجبل ، وقيل إنه طال حتى جاز النيل ، وقيل كان الجمع بالإسكندرية وطال حتى جاز مدينة البحيرة ، وقيل كان الجمع بمصر وإنه طال حتى جاز بذنبه بحر القلزم .

قال القاضي أبو محمد : وهذا قول بعيد من الصواب مفرط الإغراق لا ينبغي أن يلتفت إليه ، وروي أن السحرة لما ألقوا وألقى موسى عصاه جعلوا يرقون وجعلت حبالهم وعصيهم تعظم وجعلت عصى موسى تعظم حتى سدت الأفق وابتلعت الكل ورجعت بعد ذلك عصا فعندها آمن السحرة ، وروي أن عصا موسى كانت عصا آدم عليهما السلام وكانت من الجنة ، وقيل كانت من العين الذي في وسط ورق الريحان ، وقيل كانت غصناً من الخبيز أو قيل كانت لها شعبتان وقيل كانت عصا الأنبياء مختزنة عند شعيب فلما استرعى موسى قال له اذهب فخذ عصا فذهب إلى البيت فطارت هذه إلى يده فأمره شعيب بردها وأخذ غيرها ففعل فطارت هي إلى يده فأخبر بذلك شعيباً وتركها له ، وقال ابن عباس : إن ملكاً من الملائكة دفع العصا إلى موسى في طريق مدين ، و { تلقف } معناه تبتلع وتزدرد ، و { ما يأفكون } معناه : ما صوروا فيه إفكهم وكذبهم ، وقرأ جمهور الناس «تلقف » ، وقرأ عاصم في رواية حفص «تلْقَف » بسكون اللام وفتح القاف ، وقرأ ابن كثير في بعض ما روي عنه «هي تلقف » بتشديد التاء على إدغام التاء من تتلقف ، وهذه القراءة لا تترتب إلا في الوصول ، وأما في الابتداء في الفعل فلا يمكن ، وقرأ سعيد بن جيبر «تلقم » بالميم أي تبتلع كاللقمة ، وروي أن الثعبان استوفى تلك الحبال والعصي أكلاً وأعدمها الله عز وجل ، ومد موسى يده إلى فمه فعاد عصا كما كان ، فعلم السحرة حينئذ أن ذلك ليس من عند البشر فخروا سجداً مؤمنين بالله ورسوله .