اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۖ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ} (117)

يجوز في " أن " : أن تكُون المفسِّرة لمعنى الإيحَاءِ .

ويجوزُ أنْ تكون مصدريّةً ؛ فتكونُ هي ، وما بعدها مفعول الإيحَاءِ .

قوله : { فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ } قرأ العامَّةُ : " تَلَقَّفُ " بتشديد القافِ ، من " تَلَقَّفَ " والأصلُ : " تَتَلَقَّفُ " بتاءيْنِ ، فحذفت إحداهُمَا ، إمَّا الأولى ، وإمَّا الثانية وقد تقدَّم ذلك في نحو { تَتَذَكَّرُونَ } [ الأنعام : 152 ] .

والبزِّيُّ : على أًصلها في إدغامِهَا فيما بعدها ، فيقرأُ : " فإذا هي تَّلَقَّفُ " بتشديد التاء أيضاً ، وقد تقدم تحقيقه عند قوله : { وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث } [ البقرة : 267 ] .

وقرأ حفصٌ{[16696]} " تَلْقَفُ " بتخفيف القافِ من " لَقِفَ " ك " عَلِمَ يَعْلَمُ ، ورَكِب يَرْكَبْ " .

يقال : لَقِفْتُ الشَّيءَ ألْقَفُهُ لَقْفاً ، ولَقَفَاناً ، وتَلقفتُهُ أتَلقَّفُهُ تَلَقُّفاً : إذا أخَذْتهُ بِسُرعةٍ ، فأكَلْتَهُ أو ابْتَلَعْتَهُ .

وفي التفسير : أنها ابتلعَتْ جميع ما صَنَعُوه ، وأنشدُوا على : لَقِفَ يَلْقَفُ ، ك " عَلِمَ يَعْلَمُ " قول الشَّاعِر : [ السريع ]

وأنتَ عَصَا مُوسَى الَّتي لَم تَزَلْ *** تَلْقَفُ مَا يَصْنَعُهُ السَّاحِرُ{[16697]}

ويُقَالُ : رَجُلٌ ثقفٌ لقفٌ ، وثَقِيفٌ لَقِيفٌ ، بَيِّن الثَّقافة واللَّقَافة . ويُقَالُ : لَقِفَ ولَقِمَ بمعنى واحدٍ ، قاله أبُو عُبيدٍ .

ويقالُ : تَلْقَفُ ، وتَلْقَمُ ، وتَلْهَمُ : بمعنىً واحدٍ .

والفَاءُ في " فإذَا هِيَ " يجوزُ أن تكُون العاطفة ، ولا بُدَّ من حَذْفِ جملةٍ قَبْلهَا ليترتَّبَ ما بعد الفاءِ عليها ، والتقديرُ : " فألْقَاهَا فإذا هِيَ " .

وَمَنْ جوَّز أن تكون الفاءُ زائدةً في نحو : " خَرَجْتُ فإذا الأسَدُ حَاضِرٌ " جوَّز زيادتها هُنَا .

وعلى هذا فتكونُ هذه الجملةُ قد أوحيت إلى موسى كالَّتي قَبْلَهَا .

وأمَّا على الأوَّل - أعني كون الفاءِ عاطفةً - فالجملةُ غير موحى بها إليه .

قوله : " مَا يَأفكونَ " يجوزُ في " ما " أن تكون بمعنى " الذي " والعائدُ محذوفٌ ، أي : الذي يأفِكُونهُ .

ويجوز أن تكُون " ما " مصدرية ، " والمصدر " حينئذٍ واقعٌ موقعَ المفعُولِ به ، وهذا لا حَاجةَ إلَيْهِ .

وذلك قولُهُ : { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يَجُوز أن تكون " ما " بمعنى " الذي " ، فيكونُ المعنى : بَطَلَ الحبالُ والعِصيُّ الذي عملوا به السِّحر : أي : زَالَ ، وذهب بِفُقْدانِهَا ، وأن تكون مصدرية ، أي : وبطل الذي كانوا يعملونه ، أو عملهم .

وهذا المصدرُ يجوزُ أن يكون على بابه .

وأن يكون واقعاً موقع المفعول به . بخلاف " مَا يَأفكُون " فإنَّ يتعيَّنُ أن يكُونُ واقعاً موقع المفعُول به ليصحَّ المعنى ؛ إذ اللَّقْفُ يستدعي عَيْناً يصحُّ تسلُّطُه عليها .

ومعنى الإفكِ في اللُّغةِ : قلبُ الشَّيءِ عن وجْههِ ، ومنه قِيلَ للكذبِ إفْكٌ ، لأنَّهُ مقلْوبٌ عن وجهه .

قال ابنُ عبَّاسٍ : " مَا يَأفِكُونَ " يُريدُ : يَكْذِبُونَ ، والمعنى : أنَّ العصا تلقَفُ ما يأفِكُونَهُ ، أي : يَقْلِبُونَهُ عن الحَقِّ إلى البَاطِلِ .


[16696]:ينظر: السبعة 290، والحجة 4/66-67، وإعراب القراءات 1/200، وحجة القراءات 292، والعنوان 97، وشرح شعلة 394، وشرح الطيبة 4/304، وإتحاف 2/58.
[16697]:البيت ينظر: تفسير القرطبي 7/166، معاني القرآن للزجاج 2/405، الدر المصون 3/321.