الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۖ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ} (117)

قوله تعالى : { أَنْ أَلْقِ } : يجوزُ أن تكونَ المفسِّرة لمعنى الإِيحاء ، ويجوزُ أن تكونَ مصدريةً ، فتكون هي وما بعدها مفعولَ الإِيحاء .

قوله : { تَلْقَفُ } قرأ العامة " تَلَقَّفُ " بتشديدٍ ، مِنْ تلقَّفَ يتلقَّفُ ، والأصل : " تَتَلَقَّفُ " بتاءين فحذفت إحداهما : إمَّا الأولى وإما الثانية ، وقد تقدَّم ذلك في نحو { تَذَكَّرُونَ } [ الأنعام : 80 ] . والبزِّي على أصلِه في إدغامها فيما بعدها ، فيقرأ { فإذا هي تَّلقَّفُ } بتشديد التاء أيضاً ، وقد تقدَّم تحقيقُه عند قوله : { وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ } [ البقرة : 267 ] . وقرأ حفص " تَلْقَف " بتخفيف القاف مِنْ لَقِفَ ك عَلِم يعلم ورَكِب يركب ، يقال : لَقِفْتُ الشيء أَلْقَفُه لَقْفاً ولَقَفاناً ، وتَلَقَّفْتُه أَتَلَقَّفُه تَلَقُّفاً إذا أخذتَه بسرعة فأكلته أو ابتلعته ، وفي التفسير : أنها ابتلعَتْ جميعَ ما صنَعُوه ، وأنشدوا على لَقِف يلقَف ك عَلِم يَعْلَم قول الشاعر :

أنت عصا موسى التي لم تَزَلْ *** تَلْقَفُ ما يَصْنَعُه السَّاحر

ويقال : رجلٌ ثَقْفٌ لَقْفٌ وثقيف لقيف بَيِّنُ الثقافة واللَّقافة . ويقال : لَقِفَ ولَقِم بمعنى واحد قاله أبو عبيد . ويقال : لَقِف ولَقِم ولَهِم بمعنى واحد .

والفاء في " فإذا هي " يجوزُ أَنْ تكونَ العاطفةَ ، ولا بد من حذف جملةٍ قبلها ليترتَّب ما بعد الفاء عليها ، والتقدير : فألقاها فإذا هي ، ومَنْ جَوَّز أن تكون الفاءُ زائدةً في نحو " خرجت فإذا الأسدُ حاضر " جَوَّز زيادتَها هنا ، وعلى هذا فتكونُ هذه الجملةُ قد أُوْحِيَتْ إلى موسى كالتي قبلها ، وأمَّا على الأول أعني كون الفاءِ عاطفةً - فالجملةُ غير موحى بها إليه .

و " ما يأفِكون " يجوزُ في " ما " أن تكونَ بمعنى الذي ، والعائد محذوفٌ أي : الذي يأْفِكونه ، ويجوز أَنْ تكونَ " ما " مصدريةً ، والمصدرُ حينئذٍ واقعٌ موقعَ المفعولِ به ، وهذا لا حاجةَ إليه .