نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ} (34)

ولما كان في هذا تسلية أخروية ، أتبعه التسلية الدنيوية ، فقال عطفاً{[56949]} على ما تقديره : وما أرسلنا غيرك إلا إرسالاً خاصاً لأمته ، عطفاً على { ما أرسلناك إلا كافة } وساقه مؤكداً لأن مضمونه - لكونه في غاية الغرابة - مما لا يكاد يصدق : { وما أرسلنا{[56950]} } أي بعظمتنا ولما كان المقصود التعميم ، لأنه لم يتقدم قول قريش ليخص التسلية بمن قبلهم ، أسقط القبلية بخلاف ما في سورة الزخرف فقال : { في{[56951]} قرية } وأكد النفي بقوله : { من نذير } أي ينذرهم وخامة ما أمامهم من عوقب أفعالهم ، ودل بإفراده عن البشارة أن غالب الأمم الماضية من أهل النذارة لتظهر مزية هذه الأمة ، ولعله عبر به إشارة إلى{[56952]} الناسخين للشرائع التي قبلهم دون المجددين من أنبياء بني إسرائيل فإن بعضهم لم يكذب { إلا قال مترفوها } أي العظماء الذين لا شغل لهم إلا التنعم بالفاني حتى أكسبهم{[56953]} البغي والطغيان : { إنا بما أرسلتم به } أي أيها المنذرون { كافرون } أي وإذا قال المنعمون ذلك تبعهم المستضعفون فإذا وقفوا عندنا تقاولوا بما تقدم ثم لم ينفعهم ذلك


[56949]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: عاطفا.
[56950]:في الأصل فقط: أرسلناك.
[56951]:في الأصل فقط: من.
[56952]:زيد بعده في الأصل: أن، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[56953]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أكبهم.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ} (34)

قوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ( 34 ) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ( 35 ) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ( 36 ) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ ( 37 ) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } .

ذلك تأنيس من الله وتسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم مما مُني به من قومه من شدة الإيذاء والصدّ والتكذيب ، فقد كان الإيذاء للنبيين وتكذيبهم ديدنا للمترفين الفاسقين قد دأبوا عليه في كل زمان ، وقد خصّ المترفين بالتكذيب والجحود والإيذاء ؛ لأنهم أشد تلبُّسا بالشهوات وأكثر جنوحا لمتاع الحياة الدنيا بما أُتوه من مختلف الأسباب لذلك كالمال والجاه والرياسة وغير ذلك من ظواهر الاستعلاء والتمكين .

أما المترفون : فمن الترف ، وهو الطغيان وغمْطُ النعمة ، والمراد بالمترفين : قادة الشر والطغيان من الرؤساء والكبراء والأغنياء . وهؤلاء إذا جاءهم من عند الله نذير من النُّذر يحذرونهم عقاب ربهم ، بادروهم بالجحود والتكذيب وقالوا : { إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } أي إنا بما جئتمونا به من رسالة ونذارة وما بعثتم به من توحيد الله وإذعان لجلاله بالطاعة ، ومن التبرؤ من عبادة الأنداد والشركاء { كَافِرُونَ } أي جاحدون مكذبون .