نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَزَآءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمۡ فِي ٱلۡغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ} (37)

ولما هدم ما بالذات ، أتبعه ما بالثمرات ، فقال مؤكداً تكذيباً لدعواهم : { وما أموالكم } أي أيها الخلق الذين{[56972]} أنتم من جملتهم وإن كثرت ، وكرر النافي تصريحاً بإبطال كل على{[56973]} حياله فقال : { ولا أولادكم } كذلك ، وأثبت الجار تاكيداً للنفي فقال واصفاً الجمع المكسر بما هو حقه من التأنيث : { بالتي } أي بالأموال والأولاد التي { تقربكم عندنا } أي على ما لنا من العظمة بتصرفاتكم فيها بما يكسب المعالي { زلفى } أي درجة علية وقربة مكينة قال البغوي{[56974]} : قال الأخفش : هي{[56975]} اسم مصدر كأنه قال : تقريباً ، ثم استثنى من ضمير الجمع الذي هو قائم مقام أحد ، فكأنه قيل : لا تقرب أحداً{[56976]} { إلا من } أو يكون المعنى على حذف مضاف ، أي {[56977]}إلا أموال وأولاد{[56978]} من { آمن } أي منكم { وعمل } تصديقاً لإيمانه على ذلك الأساس { صالحاً } أي في ماله بإنفاقه في سبيل الله وفي ولده بتعليمه الخير .

ولما منّ على المصلحين من المؤمنين في أموالهم وأولادهم بأن جعلها{[56979]} سبباً لمزيد قربهم ، دل على ذلك بالفاء في قوله : { فأولئك } أي العالو الرتبة { لهم{[56980]} جزاء الضعف } أي بأن{[56981]} يأخذوا جزاءهم مضاعفاً في نفسه من عشرة أمثال إلى ما لا نهاية له ، ومضاعفاً بالنسبة إلى جزاء من تقدمهم من الأمم ، والضعف : الزيادة { بما عملوا } فإن أعمالهم ثابتة محفوظة بأساس الإيمان { وهم في الغرفات } أي العلالي المبنية فوق البيوت{[56982]} في الجنان{[56983]} ، زيادة على ذلك { آمنون * } أي ثابت أمنهم دائماً ، لا خوف عليهم من شيء من الأشياء أصلاً ، وأما غيرهم وهم المرادون بما بعده فأموالهم وأولادهم وبال عليهم .


[56972]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الذي.
[56973]:سقط من ظ.
[56974]:راجع معالم التنزيل بهامش اللباب 5/240.
[56975]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: وهو، وفي المعالم: قربى.
[56976]:من م ومد، وفي الأصل وظ: أحد.
[56977]:من مد، وفي الأصل وظ وم: الأموال والأولاد.
[56978]:من مد، وفي الأصل وظ وم: الأموال والأولاد.
[56979]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: يجعلها.
[56980]:سقط من ظ.
[56981]:في ظ ومد: أن.
[56982]:من م ومد، وفي الأصل وظ: البيت.
[56983]:في ظ وم ومد: الجنات.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَزَآءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمۡ فِي ٱلۡغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ} (37)

قوله : { وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى } { بِالَّتِي } في موضع نصب خبر ما{[3818]} و { زُلْفَى } وزلفة بمعنى القربة والمنزلة ، و { زُلْفَى } ههنا اسم مصدر ، كأنه قال : بالتي تقربكم عندنا إزلافا{[3819]}

يخاطب الله – جلت قدرته – المترفين الجاحدين المكذبين – على سبيل التوعّد والتهديد – بأن أموالكم هذه التي تفاخرون بها وكذلك أولادكم الذين تُباهون بهم الناس ، كل ذلك لا يقربكم منا أيما قربة ، ولا يقرِّبكم منا سوى الإيمان الصحيح والعمل الصالح المخلص ، وهو قوله سبحانه : { إِلاَّ مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } أي إنما يقربكم عندنا زلفى الإيمان بالله إيمانا صحيحا مقرونا بعمل الصالحات . وفي الخبر مما رواه أحمد عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " .

وقيل : المعنى أن من آمن وعمل صالحا فلن يضرّه ماله وولده في الدنيا فالمؤمنون الذين يعملون الصالحات تقرِّبُهم أموالهم وأولادهم إلى الله ، وذلك بطاعتهم لله فيما أوتوا وبأدائهم حق الله فيما أعطاهم من أموال .

قوله : { فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا } الضعف في كلام العرب بمعنى المثل ، وهذا هو الأصل ، ثم استعمل الضعف في المثل وما زاد ، وليس للزيادة حد . أي أن الضعف زيادة غير محصورة{[3820]} فالمعنى : أن جزاءهم أن تضاعف لهم حسناتهم ، الواحدة عشرا أو أكثر .

قوله : { وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ } المؤمنون الذين يعملون الصالحات جزاؤهم يوم القيامة أن يقيموا في الغرفات من الجنة ، وقيل : إنها غرف من الياقوت والدّر يقيم فيها الذين كتبت لهم السعادة والنجاة ليكونوا فيها آمنين من الموت أو العذاب أو الأسقام والأحزان .


[3818]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 282
[3819]:مختار الصحاح ص 273 والبيان لابن الأنباري ج 2 ص 282
[3820]:المصباح المنير ج 2 ص 7