ولما كان هذا الحال معلوماً لهم لا ينازعون فيه بوجه ، بل إذا وقعوا فيه أخلصوا الدعاء وأمروا به وخلعوا الأنداد ، وكان علم ذلك موجباً لصاحبه أن لا يغفل عن القادر عليه وقتاً ما ، بل لا يفتر عن شكره خوفاً من مكره ، وكان العاقل إذا ذكر بأمر فعلمه يقيناً كان جديراً بأن يقبله ، فإذا لم يقبله وخوف عاقبته بأمر محتمل جد في الاحتراز منه ، عجب منهم في إعراضهم عنه سبحانه مع قيام الأدلة القاطعة على وحدانيته وأنه قادر على ما يريد من عذاب وثواب ، وإقبالهم على ما لا ينفعهم بوجه ، فقال : { وإذا قيل } أي : من أي قائل كان { لهم اتقوا } أي : خافوا خوفاً عظيماً تعالجون فيه أنفسكم { ما بين أيديكم } أي : بما يمكن أن تقعوا فيه من العثرات المهلكة في الدارين { وما خلفكم } أي : ما فرطتم فيه ولم تجاروا به ولا بد من المحاسبة عليه ؛لأن الله الذي خلقكم أحكم الحاكمين { لعلكم ترحمون * } أي : تعاملون معاملة المرحوم بالإكرام .
قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( 45 ) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ( 46 ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } .
ذلك إخبار من الله عن إعراض المشركين وعن تماديهم في الكفر والضلال وما كانوا عليه من العُتوّ والتمرد . وهو قوله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ } أي إذا قيل لهؤلاء المشركين الضالين : اتقوا ما حلّ بالأمم السابقة من أنواع العقاب وما أعده الله لكم من عذاب أليم منتظر ينزل بكم يوم تقوم الساعة بسبب شرككم وعصيانكم . وقيل : المراد نوازل السماء ونوائب الأرض . والأظهر عموم أنواع البلاء من الله سواء في الدنيا أو في الآخرة . فإن – الله عز وعلا – يخوفهم عقابه في كل الأحوال ويحذرهم سوء المصير يوم القيامة إذا لم يتعظوا ويزدجروا .
قوله : { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أي اتقوا الله واعبدوه وحده وأطيعوه واجتنبوا معصيته ومخالفة أمره لعله يرحمكم برحمته الواسعة فينجيكم من نوازل الدنيا وأهوال يوم القيامة .
والظاهر أنهم لجوا في الإعراض والضلالة ولم ينتهوا عن الكفر والباطل . ويفهم ذلك من قوله : { وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.