نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَوۡمَ تُوَلُّونَ مُدۡبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۗ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ} (33)

ولما كانت عادة المتنادين الإقبال ، وصف ذلك اليوم بضد ذلك لشدة الأهوال فقال مبدلاً أو مبيناً : { يوم تولون مدبرين } أي حين تخرج ألسنة النيران فتخطف أهل الكفران ، وتزفر زفرات يخر أهل الموقف من خشيتها ، فترى كل أمة جاثية ويفرون فلا يقصدون مكاناً إلا وجدوا به الملائكة صافين كما قال تعالى{ والملك على أرجائها }[ الحاقة : 17 ] وينادي المنادي{ يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان }[ الرحمن : 33 ] .

ولما كان المدبر إنما يقصد في إدباره معقلاً يمنعه ويستره أو فئة تحميه وتنصره ، قال مبيناً حالهم : { ما لكم من الله } أي الملك الجبار الذي لا ند له ، وأعرق في النفي فقال : { من عاصم } أي مانع يمنعكم مما يراد بكم فما لكم من عاصم أصلاً ، فإنه سبحانه يجير ولا يجار عليه .

ولما كان التقدير : لضلالكم في الدنيا فإن حالكم في ذلك اليوم مكتسب من احوالكم في هذا اليوم ، عطف عليه قوله معمماً : { ومن يضلل اللهُ } أي الملك المحيط بكل شيء الباطن في اردية الجلال الظاهر في مظاهر القهر والجمال ، إضلالاً جبله عليه فهو في غاية البيان - بما أشار إليه الفك { فما له من هاد * } أي إلى شيء ينفعه بوجه من الوجوه ، وأما الضلال العارض فيزيله الله لمن يشاء من عباده ، وهذا لا يعرف إلا بالخاتمة كما قاله الإمام أبو الحسن الأشعري : فمن مات على شيء فهو مجبول عليه .