ولما كان هذا دعاء على سبيل الإجمال ، وكان الداء كله في الإقبال على الفاني ، والدواء كله في الإقدام على الباقي ، قال استئنافاً في جواب من سأل عن تفصيل هذه السبيل مبيناً أنها العدول عما يفنى إلى ما يبقى محقراً للدنيا مصغراً لشأنها لأن الإخلاد إليها أصل الشر كله ، ومنه يتشعب ما يؤدي إلى سخط الله { يا قوم } كرر ذلك زيادة في استعطافهم بكونهم أهله فهو غير متهم في نصحهم لأنه لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه . ولما كانت الأنفس لكونها مطبوعة على الوهم لا تعد الحاصل إلا الحاضر أكد فقال : { إنما هذه الحياة } وحقرها بقوله : { الدنيا } إشارة إلى دناءتها وبقوله : { متاع } إشارة إلى أنها جيفة لأنها في اللغة من جملة مدلولات المتاع ، فلا يتناول منها إلا كما يتناول المضطر من الجيفة لأنها دار القلعة والزوال والتزود والارتحال .
ولما افتتح بذم الدنيا ، ثنى بمدح الآخرة فقال : { وإن الآخرة } لكونها المقصودة بالذات { هي دار القرار * } التي لا تحول منها أصلاً دائم كل شيء من ثوابها وعقابها ، فهي للتلذذ والانتفاع ، والترفه والاتساع ، لمن توسل إلى ذلك بحسن الاتباع ، أو للشقاوة والهلاك ، لمن اجترأ على المحارم واستخف الانتهاك قال الأصفهاني : قال بعض العارفين : لو كانت الدنيا ذهباً فانياً والآخرة خزفاً باقياً ، لكانت الآخرة خيراً من الدنيا فكيف والدنيا خزف فان ، والآخرة ذهب باق بل أشرف وأحسن .
وكما أن النعيم فيها دائم فكذلك العذاب ، فكان الترغيب في نعيم الجنان ، والترهيب من عذاب النيران ، من أعظم وجوه الترغيب والترهيب ، فالآية من الاحتباك : ذكر المتاع أولاً دليلاً على حذف التوسع ثانياً ، والقرار ثانياً دليلاً على حذف الارتحال أولاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.