الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا مَتَٰعٞ وَإِنَّ ٱلۡأٓخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلۡقَرَارِ} (39)

فافتتح بذم الدنيا وتصغير شأنها ؛ لأنّ الإخلاد إليها هو أصل الشرّ كله ، ومنه يتشعب جميع ما يؤدي إلى سخط الله ويجلب الشقاوة في العاقبة . وثنى بتعظيم الآخرة والاطلاع على حقيقتها ، وأنها هي الوطن والمستقرّ . وذكر الأعمال سيئها وحسنها وعاقبة كل منهما ، ليثبط عما يتلف وينشط لما يزلف ، ثم وازن بين الدعوتين : دعوته إلى دين الله الذي ثمرته النجاة ، ودعوتهم إلى اتخاذ الأنداد الذي عاقبته النار ، وحذر ، وأنذر ، واجتهد في ذلك واحتشد ، لا جرم أن الله استثناه من آل فرعون ، وجعله حجة عليهم وعبرة للمعتبرين ، وهو قوله تعالى : { فَوقَاهُ الله سَيّئَاتِ مَا مَكَرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوء العذاب } وفي هذا أيضاً دليل بيّن على أن الرجل كان من آل فرعون . والرشاد نقيض الغي . وفيه تعريض شبيه بالتصريح أنّ ما عليه فرعون وقومه هو سبيل الغي .