نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ} (88)

ولما كان التقدير : لا يقدر أحد أصلاً على ردها بعد بلوغها إلى ذلك المحل لأنا نريد جمع الخلائق للدينونة بما فعلوا فيما أقمناهم فيه وأمرناهم به ولا يكون إلا ما تريد ، فكما أنكم مقرون بأنه خلقكم من تراب وبأنه يعيدكم قهراً إلى التراب يلزمكم حتماً أن تقروا بأنه قادر على أن يعيدكم من التراب{[62302]} فإن أنكرتم هذا اللازم لزمكم إنكار ملزومه ، وذلك مكابرة في الحس فليكن الآخر مثله ، فثبت أنا إنما نعيد الخلائق إلى التراب لنجمعهم فيه ثم نبعثهم منه لنجازي كلاًّ بما يستحق ونقسمهم إلى أزواج ثلاثة { فأما إن كان } أي الميت منهم { من المقربين * } أي السابقين الذين اجتذبهم الحق من أنفسهم فقربهم منه فكانوا مرادين قبل أن يكونوا مريدين{[62303]} ، وليس القرب قرب مكان لأنه تعالى منزه عنه ، وإنما هو بالتخلق بالصفات الشريفة على قدر الطاقة البشرية ليصير الإنسان روحاً خالصاً كالملائكة لا سبيل للحظوظ والشهوات عليه ، فإن قربهم إنما هو بالانخلاع من الإرادة أصلاً ورأساً ، وذلك أنه لا شهوات لهم فلا أغراض فلا فعل إلا ما أمروا به فلا إرادة ، إنما الإرادة للمولى سبحانه وهو معنى{ وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي }[ النحل : 90 ] أي مطلق الإرادة في غير{[62304]} أمر من الله ، لأن المملوك الذي هو لغيره لا ينبغي أن يكون له شيء لا إرادة ولا غيرها - وفقنا الله تعالى لذلك


[62302]:- زيد من ظ.
[62303]:- من ظ، وفي الأصل: مرادين.
[62304]:- زيد من ظ.