ولما أخبر بتمام القدرة ، دل على ذلك بقوله : { هو } أي وحده { الأول } أي بالأزلية قبل كل شيء فلا أول له ، والقديم الذي منه وجود كل شيء وليس{[62352]} وجوده من شيء لأن كل ما نشاهده متأثر لأنه حقير ، وكل ما كان كذلك فلا بد له من موجد غير متأثر { والآخر } بالأبدية ، الذي ينتهي إليه وجود كل شيء في سلسلة الترقي وهو بعد فناء كل شيء ولو بالنظر إلى ما له من ذاته فلا آخر له لأنه يستحيل عليه نعت{[62353]} العدم لأن كل ما سواه متغير ، وكل ما تغير بنوع من التغيير جاز إعدامه ، وما جاز إعدامه فلا بد له من معدم يكون بعده ولا يمكن إعدامه .
ولما كان السبق يقتضي البطون ، والتأخر يوجب الظهور ، وكانا أمرين متضادين لا يكاد الإنسان يستقل بتعلقهما في شيء واحد ، نبه على اجتماعهما فيه ، فقال مشيراً بالواو إلى تمام الاتصاف وتحققه : { والظاهر } أي بالأحدية للعقل بأدلته الظاهرة في المصنوعات بما له من الأفعال ظهوراً لا يجهله عاقل ، وهو الغالب في رفعته وعلوه فليس فوقه شيء { والباطن } بالصمدية وعن انطباع الحواس وارتسام الخيال وتصور الفهم والفكر وبتمام العلم والحكمة بما له من العظمة في ذاته بكثرة التعالي والحجب بطوناً لا{[62354]} يكتنهه شيء ، وقال القشيري : الأول بلا ابتداء ، الآخر بلا انتهاء . الظاهر بلا خفاء ، الباطن{[62355]} بنعت العلا وعز الكبرياء - انتهى ، والعطف للدلالة كما أشير إليه على الإحاطة التامة لأنها لما كانت متضادة كانت بحيث لو أعريت عن الواو لربما ظن أن وجودها لا على سبيل التمكن ، فلا تكون محيطة بل مقيدة بحيثية مثلاً فجاءت الواو دلالة على تمكن الوصف وإحاطته وإنه واقع بكل اعتبار ليس واحد من الأوصاف مكملاً لشيء آخر ولا شارحاً لمعناه ، فهو أول على الإطلاق{[62356]} وآخر كذلك ، وظاهر حتى في حال بطونه وباطن كذلك ، وهذا على الأصل فإن صفاته تعالى محيطة فلا إشكال ، إنما الإشكال عند الخلو من العطف فهو الأغلب في إيرادها كما في آخر الحشر ، ولعل ذلك مراد الكشاف بقوله : إن{[62357]} الواو الأولى معناها الدلالة على الجامع بين الصفتين{[62358]} الأولية والآخرية ، أي جمعاً هو في غاية المكنة ، والثالثة على أنه الجامع بين الظهور والخفاء ، وأما الوسطى فعلى أنه الجامع بين مجموع الصفتين الأوليين ومجموع الصفتين الأخيرتين ، فهو المستمر الوجود في جميع الأوقات الماضية والآتية . انتهى .
ولما كان من ظهر لشيء بطن عن غيره ، ومن بطن لشيء غاب عنه علمه ، وكان سبحانه في ظهوره على ذلك بمعنى{[62359]} أنه ليس فوقه شيء ، وفي بطونه بحيث ليس دونه شيء ، فقد جمعت الأوصاف إحاطة العلم والقدرة ، أعلم نتيجة ذلك فقال : { وهو بكل شيء عليم * } أي لكون{[62360]} الأشياء عنده{[62361]} على حد سواء ، و{[62362]}البطون والظهور إنما هو بالنسبة إلى الخلق ، وأما هو سبحانه فلا باطن من الخلق عنده بل هو في غاية الظهور لديه لأنه الذي أوجدهم ، وهذا معنى ما قال البغوي{[62363]} رحمه الله تعالى : سأل عمر رضي الله عنه كعباً عن هذه الآية فقال : معناها أن علمه بالأول كعلمه بالآخر ، وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن - انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.