نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ ٱلۡكُفَّارِ وَلۡيَجِدُواْ فِيكُمۡ غِلۡظَةٗۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (123)

ولما علمت المقاصد وتهيأت القلوب لقبول{[37418]} الفوائد ، وأمر بالإنذار بالفقه ، وكان من الناس من لا يرجع إلا بشديد{[37419]} البأس ، أقبل على الكل مخاطباً لهم بأدنى أسنان القلوب{[37420]} ليتوجه إلى الأدنى ويتناول الأعلى منه من باب الأولى{[37421]} فقال : { يا أيها الذين آمنوا } أي ادَّعوا بألسنتهم الإيمان { قاتلوا } أي تصديقاً لدعواكم ذلك { الذين يلونكم } أي يقربون منكم { من الكفار } فالذين يلونهم إن لم تروا غيره أصلح لمعنى يعرض لما في ذلك من حسن الترتيب ومقتضى الحكمة ولأن الجهاد معروف وإحسان ، والأقربون أولى بالمعروف ، ولتبعدوا{[37422]} العدو عن بلادكم فيكثر صلاحكم ويقل فسادكم وتكونوا قد جمعتم بالتفقه{[37423]} والقتال بين الجهادين : جهاد الحجة وجهاد السيف مع الاحتراس بهذا الترتيب من{[37424]} أن يبقى وراءكم إذا قاتلتم من تخشون كيده .

ولما كانت الملاينة أولى بالمسالمة ، والمخاشنة أولى بالمصارمة{[37425]} ، قال : { وليجدوا } من الوجدان { فيكم غلظة } أي شدة وحمية لأن ذلك أهيب في صدورهم{[37426]} . وأكف عن فجورهم ، وحقيقة الغلطة في الأجسام ، استعيرت هنا للشدة في الحرب ، وهي تجمع الجراءة{[37427]} والصبر على القتال وشدة العداوة ، فإذا فعلوا ذلك كانوا جامعين بين جهاد الحجة والسيف كما قيل :من لا يعدله القرآن كان له *** من الصغار{[37428]} وبيض الهند تعديل نبه {[37429]}على ذلك{[37430]} أبو حيان .

ولما كان التقدير : وليكن كل ذلك مع التقوى لا بسبب مال ولا جاه فإنها ملاك الأمر كله ، قال{[37431]} منبهاً على ذلك بقوله : { واعلموا أن الله } أي الذي له الكمال كله { مع المتقين* } فلا تخافوا أن يؤدي شيء من مصاحبتها إلى وهن فإن العبرة بمن كان الله معه .


[37418]:زيد من ظ.
[37419]:في ظ: بتشديد.
[37420]:في ظ: القبول.
[37421]:في ظ: الأدنى.
[37422]:من ظ، وفي الأصل: ليبعد.
[37423]:في ظ: بالفقه.
[37424]:في ظ: مع.
[37425]:من ظ، وفي الأصل: بالمضاربة.
[37426]:في ظ: صدرهم.
[37427]:في ظ: الحرارة.
[37428]:من البحر المحيط 5/114، وفي الأصل وظ: الصعاد ـ كذا.
[37429]:في ظ: عليه.
[37430]:في ظ: عليه.
[37431]:زيد بعده في الأصل: ذلك، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.