نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِذَا مَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ نَّظَرَ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ هَلۡ يَرَىٰكُم مِّنۡ أَحَدٖ ثُمَّ ٱنصَرَفُواْۚ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ} (127)

ولما ذكر ما يحدث منهم من القول استهزاء ، أتبعه تأكيداً لزيادة كفرهم وتوضيحاً{[37459]} لتصويره ما يحدث من فعلهم استهزاء من الإيمان والتغامز{[37460]} بالعيون فقال { وإذا } وأكد بالنافي فقال : { ما } ولما كان الغرض نفس الإنزال لا تعيين المنزل ، بني للمفعول قوله { أُنزلت سورة } أي طائفة من القرآن { نظر بعضهم } أي المنافقين { إلى بعض } أي متغامزين سخرية واستهزاء قائلين : { هل يراكم } وأكدوا العموم فقالوا : { من أحد } أي من المؤمنين إن انصرفتم ، فإنه يشق علينا سماع مثل هذا ، ويشق علينا{[37461]} أن يطلع المؤمنون على هذا السر منا .

ولما كان انصرافهم عن مثل{[37462]} هذا المقام مستهجناً ، أشار إلى شدة قبحه بأداة التراخي فقال : { ثم انصرفوا } أي إن لم يكن أحد يراهم ، وإن رآهم أحد من المؤمنين تجشموا المشقة وثبتوا ؛ ولما كانوا مستحقين لكل سوء ، أخبر عنهم في أسلوب الدعاء بقوله : { صرف الله } أي الذي له الغنى المطلق والكمال كله { قلوبهم } أي عن الإيمان ؛ ثم علل ذلك بقوله : { بأنهم قوم } وإن كانوا ذوي قوة على ما يحاولونه فإنهم { لا يفقهون* } أي قلوبهم مجبولة على عدم الفهم لما بها من الغلظة ، وهذا دليل على ختام الآية قبلها ، وهاتان الآيتان المختتمتان - ب { لا يفقهون } التاليتان للأمر بالجهاد في قوله { قاتلوا الذين يلونكم من الكفار } الموازي - { انفروا خفافاً وثقالاً } الآية - قد احتوتا مع وجازتهما على حاصل أوصاف المنافقين التالية لآية { انفروا } المختتم ما هو العام منها في أهل الحاضرة{[37463]} في قوله { استأذنك أولوا الطول منهم } ب { يفقهون } ثم عند إعادة ذكرهم ب { لا يعلمون } وتصويب هاتين الآيتين إلى أهل الحاضرة{[37464]} ظاهر لكونهم ممن يحضر نزول الذكر كثيراً مع احتمالهما للعموم ، والختم هنا ب { لا يفقهون } أنسب لأن المقام - وهو النظر في زيادة الإيمان بالنسبة إليهم - يقتضي فكراً وتأملاً وإن كان بالنظر إلى المؤمنين في غاية الوضوح .


[37459]:في ظ: توبيخا.
[37460]:في ظ: التعاير.
[37461]:زيد ما بين الحاجزين من ظ.
[37462]:سقط من ظ.
[37463]:في ظ: الكافر.
[37464]:في ظ: الحاضر.