نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَوَلَا يَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ يُفۡتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٖ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَيۡنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (126)

ولما كان التقدير تسبيباً عما{[37449]} جزم به من الحكم بعراقتهم في الرجس وازديادهم منه : أفلا يرون إلى تماديهم في النفاق وثباتهم عليه ؟ عطف عليه{[37450]} تقريرهم بعذاب الدنيا والإنكار عليهم في قوله : { أولا يرون } أي المنافقون ، قال الرماني : والرؤية{[37451]} هنا قلبية لأن رؤية العين لا تدخل على الجملة لأن الشيء لا يرى{[37452]} من وجوه مختلفة { أنهم } أي المنافقين ؛ ولما كان مطلق وقوع الفتنة من العذاب ، بنى للمفعول قوله : { يفتنون } أي يخالطون من حوادث الزمان ونوازل الحدثان بما يضطرهم إلى بيان أخلاقهم بإظهار سرائرهم في نفاقهم { في كل عام } أي وإن كان الناس أخصب ما {[37453]}يكونون وأرفعه{[37454]} عيشاً { مرة أو مرتين } فيفضحون بذلك ، وذلك موجب{[37455]} للتوبة للعلم بأن من علم سرائرهم - التي هم مجتهدون في إخفائها - عالم بكل شيء قادر على كل مقدور ، فهو جدير بأن تمتثل أوامره وتخشى زواجره .

ولما كان عدم توبتهم مع فتنتهم على هذا الوجه مستبعداً ، أشار إليه بأداة التراخي فقال : { ثم لا يتوبون } أي لا يجددون توبة { ولا هم } أي بضمائرهم { يذكرون* } أي أدنى تذكر بما أشار إليه{[37456]} الإدغام ، فلولا أنه حصلت لهم زيادة في الرجس لأوشك تكرار الفتنة أن يوهي رجسهم إلى أن يزيله ولكن كلما أوهى شيئاً خلقه مثله أو أكثر بسبب{[37457]} الزيادات المترتبة على وجود نجوم القرآن ، والتذكر طلب الذكر للمعنى بالكفر فيه ، فالآية ذامة لهم على عدم التوبة بإصابة المصائب لعدم تذكر أنه سبحانه ما أصابهم بها إلا بذنوبهم{ ويعفو عن كثير }[ الشورى : 34 ] كما أن أحدهم لا يعاقب فتاه إلا بذنب وما لم يتب فهو يوالي عقابه{[37458]} .


[37449]:في ظ: كما.
[37450]:سقط من ظ.
[37451]:في ظ: الرواية.
[37452]:في ظ: لا يبطل.
[37453]:في ظ: يكون وأرفعهم.
[37454]:في ظ: يكون وأرفعهم.
[37455]:من ظ، وفي الأصل: موجبة.
[37456]:زيد بعده في ظ: بأداة.
[37457]:من ظ، وفي الأصل: تسبب.
[37458]:زيد ما بين الحاجزين من ظ.